قرارات الرئيس تُثير مخاوف حول استقلالية القضاء ونزاهة الانتخابات القادمة

راديو الشباب - متابعة خاصة - سوار أبو قمر
أثار قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس تعيين رئيس مجلس القضاء الأعلى الانتقالي عيسى أبو شرار (في بداية عقده الثمانيني)، رئيسا للمجلس الأعلى الدائم،بالإضافة لقراراته التي تضمنت تشكيل محاكم نظامية جديدة، وإنشاء قضاء إداري مستقل على درجتين، وإدخال تعديلات على قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002م، رفضا فلسطينيا واسعا وتهكما على الصعيد الشعبي والرسمي والنقابي باعتبارها تعديا صارخا على سلطة القانون والقضاء.
تعدي على سلطة القضاء
وكانت نقابة المحاميين أعلنت مقاطعة مجلس القضاء الأعلى المشكّل بالقرار بقانون رقم 40 لسنة 2020، ووصفته بمجلس "غير شرعي"، داعية الرئيس محمود عباس إلى التراجع ووقف العمل بالقرارات بقانون 39 و40 و41 لسنة 2020 لمّا تضمنته من "انتهاكات لكافة المثل والقيم.
وخلال مؤتمر صحفي للنقابة، طالب نقيب المحامين جواد عبيدات رئيس مجلس القضاء الأعلى عيسى أبو شرار بالتنحي عن رئاسة المجلس، وتجميد كافة القرارات الحديثة بشأن السلطة القضائية.
ونوّه إلى أنّ هذه القوانين تم وضعها بتفرد ودون مناقشة مؤسسات المجتمع المدني أو نقابة المحامين، مُوضحاً أنّ بعض القوانين جرى تعديلها وأخرى أُنشأت بتفرد بين شخصين أو ثلاثة.
كما دعا عبيدات الفصائل المقرر اجتماعها في القاهرة، إلى وضع هذه القرارات على جدول أعمالها، مُشدّداً على ضرورة تذليل العقبات من أمام عودة الحياة الديمقراطية إلى مسارها السليم.
صرخة مدوية في وجه الرئيس
وأكد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، توفيق الطيراوي رفضه لقرارات الرئيس عباس الأخيرة بشأن القضاء، وتأييده لقرار نقابة المحاميين بمقاطعة مجلس القضاء الأعلى، مطالبا في الوقت ذاته محاكمة القاضي عيسى أبو شرار.
وقال في تصريحات صحفية خلال مشاركته في فعالية احتجاجية، أمام نقابة المحامين بمحافظة رام الله، ضد القرارات التي اتخذها الرئيس عباس بشأن القضاء، وتقدمت بشكوى للنائب العام، اتهمت فيها "أبو شرار"، بالنصب والاحتيال والتزوير، وقدمت وثائق تثبت أقوالي".
وأضاف، أن عيسى أبو شرار، حكم على كثير من الفدائيين الفلسطينيين بالإعدام والسجن المشدد، عام 1970، عندما كان قاضياً في المحكمة العسكرية الأردنية، قبل أن يتدخل الملك حسين ويصدر عفوا عن الفدائيين في حينه.
اعتبارات سياسية ودلالات خطيرة
في حين ترجمت مؤسسات حقوقية ومحللون وكتاب أن قرارات الرئيس عباس تتجاوز مسألة التعدي على القضاء لمنحى أبعد وأخطر لها اعتبارات سياسية بملف الانتخابات المقرر بدء مراسيمها شهر مايو المقبل.
واعتبر تجمع المؤسسات الحقوقية أن تشكيل المحكمة الدستورية جاء خلافا للقانون والدستور الفلسطيني المؤقت، واستند في تشكيلها إلى لاعتبارات سياسية"، داعيا إلى "تعديل مرسوم الانتخابات وفقا للأصول والقانون، وحذف أي إشارة إلى المحكمة الدستورية.
وأضاف: "إنه وبالرجوع إلى قرار تشكيل المحكمة الدستورية الصادر عام 2016، نجد أنها شكلت بقرار من رئيس انتهت ولايته الدستورية، وقام بتعيين رئيس لها وأعضاء خلافا لقانون السلطة القضائية، وبمراجعة معظم قرارات المحكمة الدستورية يظهر جليا أنها تكشف عن تفرد رئاسة السلطة بالسلطات الثلاث وفرض سيطرته عليها، بل وتتجاوز صلاحيتها في كثير من الأحيان، مثل: قراراها التفسيري رقم (10) لسنة (3) قضائية الذي قررت فيه اعتبار المجلس التشريعي المنتخب منحلاً، رغم أن القرار تفسيري وليس لها في ضوئه إلا تفسير النص الدستوري لا إصدار قرارات جديدة، وبالرجوع للقانون الأساسي الذي يفترض بالمحكمة الدستورية أن تكون حارسة عليه نجد أنه لم يُبيْح حل المجلس التشريعي حتى في حالات الطوارئ".
ونوه إلى أن ما يثير الاستغراب في قرار "الدستورية" الذي استدعاه المرسوم الرئاسي في ديباجته، أن القرار التفسيري قضى باعتبار المجلس التشريعي مُنحلاً منذ تاريخ صدور قرارها، وكلفت رئيس انتهت ولايته بإصدار مرسوم الانتخابات التشريعية فقط في حين لم تتطرق للانتخابات الرئاسية، وكان الأجدر في المحكمة، أن تلزم الرئيس بدعوة المجلس التشريعي لعقد دورته العادية لتفادي تعطليه إن اكتفت بدورها السلبي المتمثل بتفسير النصوص الدستورية فقط، وأما وأنها اتخذت موقفا ايجابيا وقررت إجراء الإنتخابات فكان عليها أن تقرر إجراء الانتخابات العامة رئاسية وتشريعية على النحو الذي قرره القانون.
أداة قمع في وجه القوائم والمترشحين
وفي مقال نشره الكاتب والمحلل السياسي محمد مشارقة حول الآثار المحتملة لمراسيم المحاكم الادارية على العملية الانتخابية، يرى أن هذه القرارات هي من أهم وأخطر ما صدر عن رئيس السلطة الفلسطينية في الفترة الاخيرة، وفيما يبدو انه استباق لما قد يحدث من تطورات او مفاجآت في العملية الانتخابية أو نتائج الانتخابات.
ويقول الكاتب مشارقة في مستهل مقاله: " نجد ان المادة السابعة من القرار تنص على تعيين رئيس المحكمة الادارية ونائبه وقضاتها، بقرار من الرئيس، بناء على تنسيب من الجمعية العامة للمحاكم الإدارية. وحتى لا يختلط الامر ويلتبس على البعض ، فالمقصود بالرئيس هنا هو رئيس السلطة كما ورد في التعريفات المدرجة في بداية القرار، وبالتالي فان كل المحكمة تصبح دائرة كاملة تابعة للرئيس يشكلها كما يشاء، حيث ان الجمعية العامة للمحكمة تتشكل من ذات القضاة المعينين بقرار من الرئيس وهي الجهة المختصة في النقل والتأديب وغيره من شؤون قضاة المحكمة".
ويضيف: أن سطوة الرئيس تتأكد على رئيس المحكمة الادارية العليا من الفقرة (3) من الفقرة (7) التي تنص على انه يعين رئيس المحكمة الإدارية العليا وتقبل استقالته بقرار من الرئيس، كما تقرأ سلطة الرئيس وسطوته على هذه المحاكم على ضوء حقيقة مهمة وهي أن هذه المحاكم هي المسؤولة "عن الطعون الخاصة بنتائج الانتخابات التي تجري وفق التشريعات الناظمة لها" حسب الفقرة (1) من المادة (20) في هذا القرار، وبالتالي فانه من السهل تصور ان المحكمة ستأتمر بأمر رئيس السلطة الفلسطينية في حال ان نتائج الانتخابات خالفت بعض الحسابات التي لا تروق له مثلا، بالإضافة طبعا الى انه قادر على الغاء هذا القرار بقانون، بقرار اخر في اي لحظة تخالف هذه المحكمة اوامره، وهو ما يعد سيفا مسلطا على استقلال القضاة ونزاهة اعمالهم وقراراتهم.
ويستطرد: سيقول قائل بأن هناك محكمة مشكلة تنظر في الطعون الخاصة بالعملية الانتخابية "محكمة قضايا الانتخابات" التي تنص عليها المادة (20) من قانون الانتخابات، وهنا يمكن القول بأن تشكيل هذه المحكمة يأتي بناء على تنسيب مجلس القضاء الاعلى، وهو المجلس الذي أصبح الآن كاملا بيد رئيس السلطة الذي بإمكانه التدخل في تشكيل هذه المحكمة بشكل مباشر وبالتالي فانه يتوقع ان تمتثل هذه المحكمة ايضا لما يمليه الرئيس في حالة ان بعض مجريات العملية الانتخابية لم تأت على قدر حسابات السلطة التنفيذية، ومنها طبعا الاعتراض على المرشحين والترشيحات وغيرها، علما ان هذه المحكمة تكون مختصة في النظر بالاعتراضات على قرارات لجنة الانتخابات، مؤكدا أن الخطورة الحقيقية تكمن في التحكم بمفاصل المحاكم الادارية هو في استخدامها كأداة قامعة لكل ما لا يتوافق مع توجه رئيس السلطة او مستشاريه سواء على صعيد النتائج او المرشحين وقوائمهم.