كابوس الانتخابات الفلسطينية
نشر بتاريخ: 2021/03/06 ( آخر تحديث: 2025/05/06 الساعة: 12:42 )

 

لا أدرى إذا كان الجنرال كميل أبوركن منسق الإدارة المدنية الاحتلالية الإسرائيلية في الضفة الغربية لا زال في منصبه، لكن المشهد الحالي عشية الانتخابات التشريعية والرئاسية يدفع إلى الاعتقاد بأن منهج الرجل هو الذي يتحكم بتفاصيل الحالة الداخلية الفلسطينية.

ولأنه ينفذ سياسة الدولة الأمنية العميقة في إسرائيل، فان الانتخابات الحضارية والنزيهة والاحتكام السلمي لصندوق الاقتراع، يشكل خطرًا على المخطط الإسرائيلي في تهويد ما تبقى من الأرض، وتشكيل إدارة ذاتية للسكان في معازل مغلقة بالأسيجة والبوابات، تفتح للعبيد بإرادة السيد ووفقا لحاجاته،ما تتمناه دولة أبو ركن أن يستمر الوضع الفلسطيني على حاله دون تغيير، فقد أنتجت سياسة كي الوعي المستمر التي مارسها في فترة احتلاله الطويل، طبقة سياسية متعاونة وطيعة، تأخذ صفة وزراء أو كلاء أو أباطرة أو منسقين أو مدراء، لا فرق، وهو لا يطمئن لوعودهم، بأن الوضع سيبقى على حالة، وأن الانتخابات التشريعية والرئاسية محسومة، وستجلب حركة حماس المأزومة إلى بيت الطاعة، راضية مدجنة. فالمحتل الذي يعرف الخارطة الاجتماعية والسياسية جيدًا وأكثر من أهلها، يدرك طبيعة هذا الشعب العنيد الذي لا يستكين وخبر مفاجآته الدائمة، فما أن يفتح باب الأمل للتغيير، عبر صناديق الاقتراع، فسيقلب هذا الشعب الطاولة على المخطط والمخططين، وأن أولى الضحايا سيكون الوكلاء. الإسرائيلي لا يقبل أن يتم التغيير عند الفلسطينيين سلما وبوسائل ديمقراطية وانتخابات، كان ولا زال يتمنى لو انهم يذهبوا في طريق التغيير الدموي” كما جرى عند بعض العرب.لا نحتاج لنظريات المؤامرة، لنصل إلى خلاصة مرة، إن حجم التحريض والاحتقان الداخلي الفلسطيني، بعد قرار قيادات فتحاوية وازنة، الدخول للانتخابات بقوائم مستقلة، قد يصل إلى ما يريده أبو ركن تماما، إلى مستنقع الاقتتال الداخلي الذي لا يحتاج إلى أكثر من احتكاك بسيط في شارع لم يعد السلاح فيه حكرًا على السلطة وحدها وإنما بيد مجموعات خارج السيطرة. فلغة الحملات الموحدة المركزة ضد المختلفين مع توجهات قيادة السلطة وحزبها الحاكم، يشير إلى أن محركها واحد، وأنها على درجة من التنظيم، فالكتابات الصريحة أو حملات الذباب الالكتروني والحسابات المزيفة على وسائل التواصل تتركز حول " الخيانة والتآمر والعمالة وتنفيذ الارادات الخارجية وشق وحدة حركة فتح ودورها القيادي واستهداف رئيسها " وهي في محصلتها تفضي إنزال عقوبة القتل على مرتكبيها. لا اعتقد أن هدف هذه الحملات المنظمة هو الترهيب فقط، فقد مضى الزمن الذي يمكن فيه ابتزاز الناس بهذه اللغة وبهذا القاموس الذي لم يعد مقنعا حتى لأصحابه. وما يزيد من خطورة الوضع، التسريب المتعمد لحصيلة اجتماع قيادي، تم فيه تهديد الدكتور ناصر القدوة صراحة بالقتل إذا ما خرج عن اجماع اللجنة المركزية، وهو الامر الذي لم يعد سرا، فقد سئل القدوة عنه في مؤتمر صحفي فأجاب عنه بترفع وتهذيب جم حين قال، "ليس من حقي ان اعيد ما جرى في الغرف المغلقة، لكن ما جرى معي لم يكن ديمقراطيا ".
ما يحتاجه الانفجار يا سادة، هو متحمس جاهل أرعن او مأجور يستخدم الرصاص "دفاعا عن القيادة” و"المصلحة الوطنية العليا ". من حق الوطنيين والحريصين على السلم الأهلي وعلى ما تبقى من امل لدى الفلسطينيين ان يقلقوا ويدققوا مليا في الحالة العبثية التي وصلنا اليها، فالتوتير والشحن والتجييش الاعمى، هو التنفيذ الحرفي لوصفة ودليل عمل الجنرال أبو ركن، والدولة العميقة الأمنية في إسرائيل. فبعد نجاحه في تثبيت الانقسام بين الضفة وغزة، يستكمل اليوم بدفع المجتمع الفلسطيني نحو الاقتتال والفوضى الداخلية، تعفي دولته من أعباء سياسية واخلاقية نتيجة ممارسات الاحتلال والقهر، ودعايته  ان هذا الشعب لا يستحق الحياة والكرامة والاستقلال. ذروة ما يسعى اليه الإسرائيلي هو ان يصل الفلسطيني الى حالة الكفر البواح وفقدان الامل والثقة بالمشروع الوطني ويتمنى فيها عودة الاحتلال المباشر. فالناس مطحونة تحت رحى الوضع المعيشي البائس وبالجائحة الوبائية اللعينة وسلطة بائسة وفاسدة واستيطان يبتلع ما تبقى من الأرض. لقد وصل القرف الى مداه، وثمة من يسوق الفلسطينيين الى ممر اجباري نحو انفجار، يعفي أبو ركن وجماعته من ورطة الانتخابات وما تحمله من احتمالات التغيير.