لا يخفى على أحد أن غياب السلطة التشريعية وظيفيا منذ العام 2006 وشراهة السلطة التنفيذية في اصدار القرارات بقوة القانون سواء استدعت الضرورة ذلك أم، لا والرغبة الجامحة لديها في الحلول محل السلطة التشريعية، جعلت المنظومة التشريعية الفلسطينية منظومة واهنة فاقدة الثقة، الغاية من التعديلات التي طرأت عليها محل شك وريبة لدى المختصين وكذلك العامة.
ومن المؤكد ان هذه المنظومة القانونية المتهالكة، تخدم ولو جزئيا مصالح قطاعات أو جهات أو جماعات معينة، ومن الطبيعي أن السلطة التنفيذية تواقة لهذه القوانين وإلا لما أصدرتها بالرغم من عدم توافر حالة الضرورة التي لا تحتمل التأخير، التي اشترطتها المادة 43 من القانون الأساسي الفلسطيني.
مما لا شك فيه أن قيام مجلس تشريعي فاعل يعيد هذه القرارات التي لها قوة القانون إلى المربع الأول، ويمكن مراجعتها بحيث تخضع لمحاكمة الإرادة الشعبية ويميز بين الغث منها والسمين، وهذا من الأولويات المأمولة للمجلس التشريعي القادم في حال حصول الانتخابات، إلا أن هناك خوفا كبيرا من أن يكون هناك سدا بين قيام المجلس التشريعي وقيامه بالدور المنشود.
إن هذا السد المتوقع يتمثل في المحكمة الدستورية الفلسطينية التي تم انشاؤها في العام 2016 بصورة مفاجئة أربكت المهتمين وأثارت الشك في النوايا الكامنة وراء إنشائها في ظل الانقسام والاحتراب السياسي وغياب السلطة التشريعية وضعف تبعية السلطة القضائية، فلم يكن مفهوما ما هو مبرر إقامة هذه المحكمة ذات الصلاحيات الخطيرة جدا في حماية الشرعية الدستورية وحفظ التوازن بين السلطات، بالرغم من أن النص عليها دستوريا قديما قدم القانون الأساسي وتشريعيا منذ العام 2006، فلماذا في ظل تلك الظروف يتم إنشاء المحكمة الدستورية.
لعل الإجابة يمكن الحصول عليها من الأحكام والقرارات الصادرة عن المحكمة الدستورية ذاتها، فالمحكمة الدستورية ومنذ إنشائها في نيسان من العام 2016 وحتى يومنا هذا، كانت أداة السلطة التنفيذية التي لا تخون في تطويع كل الإجراءات غير الشرعية دستوريا، ففسرت المفسر وتناقضت مع القواعد الدستورية وتناقضت مع ذاتها في سبيل شرعنة إجراءات وقرارات السلطة التنفيذية، وبدلا من أن تكون حاميا للحقوق والحريات العامة وحارسا على الشرعية الدستورية كانت سيفا مسلطا على رقبة الديمقراطية، فحلت البرلمان دون أن يكون لها أي صلاحية بذلك، ونحرت استقلال القضاء على مذبح السلطة التنفيذية و خلقت قواعد دستورية جديدة تحت حجة تفسير صمت المشرع الدستوري، ولم يكن في دائرة أهدافها مطلقا ما يخرج عن رغبات السلطة التنفيذية.
بعد أربعة أشهر من الان وإذا قدر للانتخابات أن تتم ،وبعد أن يولد المجلس التشريعي الفلسطيني الجديد فهل سيكون في مأمن من عصا المحكمة الدستورية أن خالفت إرادته إرادة السلطة التنفيذية.
لو كنت هناك في قاهرة المعز مع الأمناء العامين في بدايات الشهر القادم لكان على راس أولوياتي الاتفاق على الحلول التي تمكن من شل المحكمة الدستورية ولو مؤقتا حتى يتمكن المجلس التشريعي الجديد من النمو في مأمن عن معاولها.