إذا كنت من محبي الفن أو ممن يتذوقونه فقط، فلا بد أن لديك القدرة على التميز بين الألوان الأساسية لصناعات كل اللوحات، وهذا لا يحتاج إلى التعلم بالقدر الذي يتطلب منك الإحساس العالي لقراءة ما بين السطور.
فكلما شاهدت الجمال بالفن التشكيلي، والذي تُبدع فيه مؤسسة عبد المحسن القطان وفي العديد من المجالات المختلفة، ولاسيما ونحن نتحدث عن أنامل المبدعة 'رنا البطراوي' والتي شكلت بعينيها اللتان تعودتا على نقش الواقع بطرق خيالية، لتختزل الوجع في حكاية مستمرة على هيئة فن يعبر عن قصة يرويها كلٌ منا بإحساسه، و تكمل السرد لترصد سيرة المكان والزمان.
الحكاية بدأت منذ نعومة أظافرها حينما كانت طفلة ترسم اللوحات بالألوان البسيطة، لتقتحم عالم النحت على الخشب والأحجار والمعادن وغيرها، بل واستطاعت مؤخراً تطوير أسلوب فني جديد، استخدمت فيه الرماد الناتج عن حرق المخلفات، وأنتجت من خلاله لوحاتٍ فنية متعددة بأشكالٍ لافتة، جذبت الأنظار إليها، وهذا وأقل ما يقال عنه “حينما يولد الانسان مبدعاً”.
لكنها كانت طفلةً بارعة ًوتحولت إلى شابة ماهره طورت كافة إمكانياتها لتضيف إلى الفن التشكيلي بصمات أخرى.
تندمج البطلة مع المكان فتصبح جزءً منه، لينتج عن هذا لوحات ونقوش فريدة للمكان بكل ما يحمله من وجع يتمرد الألم، وهذا ما حدث خلال معرض «رماد الطين» والذي كان الحدث الأبرز في حياتها.
لقد شاركت بلوحاتها في الأعوام الماضية، بعدد من المعارض في قطاع غزة و الضفة الغربية والقدس وخارج فلسطين، وفي كلّ مرّة كان الزوار والجمهور يُشيدون بأعمالها، فلم يعلم المشاهد كم التعب الذي استنزف الفنانة رنا لتحصل على هذا اللقلب، وإنما الاجتهاد المتواصل والسعي الدؤوب لتطوير هذا الفن كان هو هدفها.
رنا ابنة البحر إذا ولت وجهها غرباً، وحفيدة الصحراء إذا أشحته شرقا، بنت الأرض الصعبة “غزة“ متناهية السحر بفطرتها وأصالتها، سليلة حكايات الشرق والغرب والحرب والسلام وهذا هو وصف الرسالة الفنية.
ختاماً، من لا يشكر الناس لا يشكر الله، فشكراً لمؤسسة عبد المحسن القطان، ولكل مؤسسة ترعى الأعمال الفنية ليس فقط الفن التشكيلي بل كل الفنون التي تعكس الوجه الأخر للحياة، فالثقافة لم تعد 'الموت أسمى أمانينا' بل الفن وحب الحياة والأمل والسلام هو اسمى أمنياتنا بهذه الحياة.
وكما قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش: 'نحبُّ الحياةَ غداً، عندما يَصِلُ الغَدُ سوف نحبُّ الحياة كما هي عاديّةً ماكرةْ، رماديّة أَو مُلوَّنةً'.
ونضيف نحبُّ الحياة كما نراها بأبداعات أبنائنا وبناتنا ورعاية مؤسسة عبد المحسن القطان للفنون.