على امتداد عقود من النضال المتواصل خاض شعبنا وطلائعه من الثوار معارك وبطولات خالدة في سجل التاريخ، ولم تكن معركة الكرامة إلا واحدة من تلك الانتصارات المجيدة التي سطرها الفدائي الفلسطيني جنباً إلى جنب مع رفيقه الجندي الأردني الباسل، لقد أصر المقاتلون على الصمود في وجه الجيش الذي لا يقهر العائد منتشياً من انتصارات كاسحة على الجيوش العربية وسجلوا تضحيات جسام في سفر الثورة المعاصرة..
لقد امتزج دم المقاتل الأردني مع دماء الفدائيين، فكانت ملحمة الكرامة، ودوت صرخات الشهيد الخالد ياسر عرفات " سنطعم لحومنا لجنازير الدبابات ولن نستسلم" وأصبحت كلماته بمثابة تعاليم مقدسة سار على دربها كل الأحرار، وقد عمقت هذه الملحمة روح النصر وإمكانية تحقيقه على العدو وأعادت الاعتبار للمقاتل العربي بعد نكسة حزيران وعززت المعاني القومية والوطنية والدينية بين أبناء الشعب الواحد المنصهر على ضفتي النهر..
لم تكن أهمية معركة الكرامة في نتائجها العسكرية المذهلة وحسب والتي تكبد فيها العدو خسائر فادحة في الدبابات والمعدات والافراد، ولكنها أرست قواعد جديدة مفادها بأن هذا الشعب لازال حياً يقاوم وبأن جذوة النضال في وجدانه لن تطفئها أي انكسارات عابرة، ولم يكن سيل الآلاف من المتطوعين الذين اندفعوا للانضمام إلى صفوف الثورة وحركة فتح إلا تعبيراً عن هذه الروح التواقة للنصر والتضحية..
نستذكر الحادي والعشرين من آذار 1968 بعز وفخار ونحن نشهد يومياً بطولات شعبنا ومقاومينا في جنين ونابلس والقدس وكل الساحات ليثبتوا بأن ملحمة الكرامة لازالت مستمرة وشمسها لا تأفل، وأن وهج الكفاح لا زال مستعراً يحرق الأرض تحت أقدام الغزاة ، وغير بعيد عن كل ذلك تقف الأم الفلسطينية وقفة عز تقاتل وتحمي وتربي وتخرج الابطال وتدفع بأبنائها نحو معارك الكرامة ، ليصبح يوم الأم مرادفاً ليوم الكرامة وبرهاناً على عظمة دورها في مسيرة التحرر الوطني في جميع محطات تاريخ النضال الفلسطيني..
وفي هذا اليوم أيضاً نبرق بتحية الوطن والثورة للسنديانة الأبية، الأم الفلسطينية رفيقة الدرب وشريكة النضال والكفاح، التي استطاعت أن ترسم ملامح وطنية لدورها البارز والفعال في بناء المنظومة السياسية والاجتماعية، وفي تنمية الثقافة الوطنية وفي صناعة الأجيال الثورية، فطوبى للأم الفلسطينية الشامخة الماجدة في يومها، وتحية إجلال وإكبار لخنساوات فلسطين من أمهات وزوجات شهدائنا الأبطال، ودروع الفخر نهديها للأمهات المناضلات أسيراتنا القابعات في سجون الاحتلال اللواتي يسطرن أسمى ملاحم الصمود والتحدي في وجه السجان..