التعليم عن بعد .. أزمة تلقي بأعبائها على أولياء الأمور في غزة
نشر بتاريخ: 2020/12/26 ( آخر تحديث: 2025/05/06 الساعة: 10:32 )

 - سوار أبو قمر - غزة

فرضت جائحة كورونا على العالم أجمع التأقلم مع نمط مختلف عما كانوا يعيشوه في السابق، وألقت الأزمة بظلالها على كافة مناحي الحياة وخاصة قطاع التعليم الذي أوجد من الانترنت والتكنولوجيا مدخلًا ليحافظ على استمراريته وتواصل العملية التعليمية دون انقطاع.

وفي ظلّ إغلاق المؤسسات التعليمية وبقاء الطلاب في منازلهم بموجب إعلان حالة الطوارئ التي تعيشها فلسطين بسبب الجائحة، لجأت تلك المؤسسات إلى خيار التعليم عن بُعد كبديل مؤقت للنظام الوجاهي، لكن هذا الخيار الحديث النشأة تحوّل إلى عقبة أمام أهالي الطلبة وأولياء الأمور في قطاع غزة؛ نظرًا للظروف الصعبة التي يعانيها القطاع من حصار مفروض وتبعاته كأزمة انقطاع التيار الكهربائي وسوء خدمة الانترنت وندرة الإمكانيات وتدهور الوضع الاقتصادي.

معضلة الأهالي

أحلام محمد أم لثلاثة أبناء في المرحلة الابتدائية تحدثت لـ"موقع الشباب" عن واقع تجربتها مع نظام التعليم عن بعد قائلة:  "أصبحت معلمة لأطفالي.. والمهمة صعبة جداً بالنسبة لي في هذا الوقت الحرج"، حيث أكدت أنها أصبحت تخصص ساعات يومية أكثر من السابق في تدريس أبنائها والتعامل مع هذا النظام "المُعقد والسيء جدا" حد تعبيرها.

ورأت أن نظام التعليم عن بعد بحاجة إلى الكثير من التطوير والاعتبارات الإنسانية في أبجديات التعامل مع الطلبة وظروف معيشتهم، مطالبة بالحد من استمراره بنفس الآلية والعمل على وضوع حلول أخرى.

أما سهام النجار التي أبدت امتعاظها من اعتماد نظام التعليم عن بعد، قالت: "في الوقت الذي أعاني فيه من صعوبة متابعة الدروس التعليمية لأبنائي الأربعة لعدم توفر الكهرباء والانترنت طيلة الوقت عدا عن توفر جهاز نقال هاتف واحد لا يفي بالغرض لمتابعة كافة الدروس المطلوبة؛ أجد أيضا صعوبة في التعامل مع التكنولوجيا الحديثة والمتابعة الدورية مع معلمين أبنائي".

وبينت أن اعتماد خطوة التعليم عن بعد قبل دراسة احتياجات أولياء الأمور والطلاب والإمكانيات المتاحة لديهم، لتمكينهم من متابعة دروسهم، أمر يعبر عن حالة الاستهتار التي تتبعها الوزارة في التعامل مع ملف التعليم في ظل جائحة كورونا .

 وأكدت أنها تعيش في ضغط نفسي كبير،  في ظل عدم تمكنها من متابعة مئات الرسائل التي تصل هاتفها النقال من عشرات المجموعات عبر تطبيق "واتس آب" عدا عن تقصيرها بالأعمال المنزلية، ما خلق لديها مشاكل عدة.

الطفل عبد الله "12 عاما" في الصف السادس الابتدائي، أوضح أنه لا يملك هاتفًا ذكيًا أو لابتوب، وليس لديه إلا هاتف والده الذي كثيرًا ما يستخدمه وشقيقته الأصغر منه لمشاهدة مسلسلات الكرتون على يوتيوب، كما أعرب عن حزنه الشديد لأنه لم يتمكن من الالتحاق ببعض الحصص بسبب انقطاع التيار الكهربائي.

في حين ترى الطالبة شذى في جامعة الأزهر ، أن نظام التعليم عن بعد ليس بالمسألة المتعبة أو المعقدة بالنسبة لها، لكنها لامست في تعاطي الأساتذة والمحاضرين مع الطلبة أنه غير منصف ولا يراعي الأزمات التي يعانيها قطاع غزة كانقطاع التيار الكهربائي وسوء خدمة الانترنت.

موجة امتعاظ

موقع "راديو الشباب" رصد بعض تعليقات الأهالي وأولياء أمور الطلبة على صفحات التواصل الاجتماعي حول قرار اعتماد التعليم عن بعد بديلا للوجاهي.

وجاء في منشور لإحدى الأمهات: "قاعدة بحل البطاقات لبناتي يسقط التعليم عن بعد بكفي مهزلة. وبناتي بسابع نومة"، لترد عليها إحداهن في تعليق: "شو هاد أقسم بالله حرق أعصابي تقول احنا اللي بندرس عندي روضة وأولى اعدادي كل يوم فرية وتوتر مش فاهمين اشي الله يعينك".

وتكتب أخرى: "والله التعليم عن بعد أرهق أولياء الأمور والطلاب والمعلم.. بجد تعبت نفسيتنا وتحطمت من التعليم عن بعد، لأنو الواضح للناس إن طبشورة المعلم بتسوى كل برامج التعليم عن بعد".

وفي منشور ساخر لإحدى السيدات تقول: "بكرا لما المدارس يوزعوا الشهادات حتكون الأولى على المدرسة: أم العبد، والثانية: أم محمد، والثالثة أم أحمد، وستكون المنافسة على أشدها بين الأمهات.

أزمة إدراك

بدورها، اعتبرت المعملة في رياض الأطفال إيمان علي أن هذا النوع من التعليم بالرغم من أهميته إلا أنه لا يمكن أن يشكل بديلاً حقيقيًا عن التعليم الوجاهي؛ فالتعليم عن بعد في فلسطين، وخاصة المدرسي ما زال  يواجه العديد من المشاكل، وفي مقدمتها أن بعض المعلمين والأهالي والطلبة غير مهيئين لمثل هذا الشكل من التعليم، ويفتقرون للمهارات المطلوبة لممارسته.

وتضيف علي لـ"موقع الشباب" أن التعلم عن بعد يفتقر أيضا لكل أساسيات واستراتيجيات وأهداف التعليم فهو يقتصر فقط على إبقاء الطالب على دراية فقط بموضوعات المنهاج دون فهم أو إدراك أو محاولة تنمية التفكير وتطويره وتعزيز القيم التربوية والأخلاقية لدى الطالب.

من جانبه، يعزي أستاذ اللغة العربية عبد الرحمن السبب وراء أزمة التعليم عن بعد إلى عدة عوامل أبرزها الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب، بالإضافة إلى ضعف مستوى الوعي لدى الأهالي، وتدني مستوى الخبرة لدى الكادر التعليمي في التعامل مع طرق التعليم الإلكتروني.

تجربة المضطر

وبالحديث عن تجربته مع نظام التعليم عن بعد، يقول أستاذ اللغة العربية في جامعة الأزهر د.فضل النمس لـ"موقع راديو الشباب": "في مؤسسات التعليم العالي النظامية على الأكثر بدأنا تجربة التعليم عن بعد بداية المضطر.. لم يكن أمامنا مفر من هذه الوسيلة لمواصلة المسيرة التعليمية".

ويضيف النمس خلال حديثه: "كانت بداية التجربة بإمكانات بسيطة مع قلة تجربة من هيئة التدريس والطلبة.. ثم مع الدخول في صلب التجربة اكتسب الأساتذة والطلاب خبرات في مجال التعليم لا يمكن إنكارها"، مشيرا إلى أن الجائحة فرضت على النظام التعليمي ككل التعامل مع الفضاء التكنلوجي وتعلمه لضمان استمرار العملية التعليمية والحفاظ عليها.

دور رئيسي للتعلّم

بدوره، يرى الباحث الأكاديمي أحمد حمودة بأنّ التعليم عن بعد هو المنقذ في أوقات الصعوبات زمن الأزمات (الصحية والإنسانية والبيئية)، إذ ساهم في إيجاد الحلول لبعض الصعوبات الشخصية لبعض الطلبة، والمتمثلة في الإعاقات الجسدية، والأزمات الصحية، ومشاكل النقل والتنقل، وقيود العمل للطلاب الموظفين وأرباب الأسر المتعلمين، كما أنّه يمكّن الطلبة من تلقي الدرس في المكان الأنسب لهم ويساعدهم في تطوير المعرفة بالكمبيوتر والانترنت.

ونوه خلال حديثه لموقع "راديو الشباب"، أن منصات الميديا الاجتماعية (مجموعات الفيس بوك) في الحقيقة ليست المكان الحقيقي للتعلّم وهي مكان غير رسمي وفيه اللغة غير حميمية بعض الشيء، وفي هذه الحالة نستنتج بأنّ يتم الاعتماد عليها كمكمّل وليست كمصدر رئيسي للتعلّم.

وأشار إلى أن من صعوبات التعليم عن بعد تسهيل عملية الغش والانتحال وشعور الطالب في بعض الأحيان بالعزلة الاجتماعية عند استخدامه كما ويصعب التعامل معه بسبب الضعف المعرفي حول تقنيات التعليم المدمج، وأن ضعف المهارات التكنولوجية للطلاب كانت من أبرز الصعوبات والتحديات التي واجهت عملية التدريس عن بُعد.