المستقبل ليس لهم
نشر بتاريخ: 2018/03/11 (آخر تحديث: 2025/05/12 الساعة: 19:23)

من العبث مطالبة الفلسطينيين بكل أطيافهم وخياراتهم المتناقضة والمتوافقة، أن يتوقفوا عن النضال من أجل انتزاع حقوقهم، رغم انغلاق الآفاق في هذه المرحلة، فلا المفاوضات تجدي نفعا، ولا المراهنة على الخيار العسكري.

العنوان الرئيسي للنضال الفلسطيني في هذه المرحلة، هو الصمود والثبات على المواقف والثوابت والأهم على الأرض التي يستهدفون تحريرها، إن كان المقصود تلك التي احتلتها إسرائيل عام 1967، أو التي استولت عليها وأقامت دولتها عام 1948. وفق كل المعطيات والمؤشرات، فإن إسرائيل التي تشهد أفضل علاقاتها مع الولايات المتحدة، لا تفكر إطلاقا في الاستجابة لأي مفاوضات تؤدي إلى إنهاء احتلالها للضفة بما في ذلك القدس وغزة، حتى يتسنى للفلسطينيين إقامة دولتهم وممارسة حقهم في تقرير المصير عليها.

من الواضح أن لا الظروف الدولية، ولا الإقليمية والعربية، تشكل الفرصة المناسبة لإرغام إسرائيل المدعومة أمريكيا، لأن تستجيب لحل يرضي الحد الأدنى الذي يقبل به الفلسطينيون، ولا هي ترغم الفلسطينيين على القبول بحلول منقوصة إلى الحد الذي يصادر جوهر حقوقهم الأساسية. قد تنجح الولايات المتحدة وإسرائيل في فرض صفقة القرن على الفلسطينيين وغيرهم، بسبب ضعف وتواطؤ الوضع العربي المنهك، وغياب القوة القادرة على تعطيل هذه الصفقة، لكن ذلك لا يلزم الفلسطينيين لقبول ما يصادر حقوقهم وثوابتهم. خيار الصمود و الوحدة يعني المراهنة على المستقبل في صراع مفتوح على كل الأرض وكل الحقوق، وفي مواجهة المشروع الصهيوني من أساسه، هذا المشروع الذي نشأ وترعرع كمشروع استعماري وقفت خلفه ودعمته الدول الرأسمالية ابتداء ببريطانيا وفرنسا ثم الولايات المتحدة.

النظام العالمي وموازين القوى في هذه المرحلة تشهد تحولات متسارعة ومهمة، تتجه نحو تراجع قوى الاستعمار العالمي لصالح قوى جديدة ونظام عالمي متعدد الأقطاب. على المستوى الاقتصادي تتقدم الصين نحو احتلال المركز الأول من حيث الانتاج، وتتعافى روسيا التي يحلم قيصرها فلاديمير بوتن باستعادة أمجاد الاتحاد السوفيتي، فيما تعاني الولايات المتحدة من عجز تجاري هو الأسوأ منذ  تسع سنوات.

وفي السياق يتقدم الاتحاد الأوروبي نحو المزيد من الاستقلالية النسبية عن الولايات المتحدة خصوصا بعد أن هدد الرئيس ترامب بفرض ضرائب على صادرات السيارات الأوروبية التي تنافس الصناعة الأمريكية في سوقها، وبعد أن كان حذر أن على أوروبا أن تتحمل تكاليف أمنها. وبالإضافة إلى ذلك تنشأ مراكز اقتصادية واعدة أخرى مثل اليابان والبرازيل والأرجنتين وتركيا ودول جنوب شرق أسيا. على المستوى العسكري تتزايد مواقع الردع النووي فلم يعد امتلاك القدرات النووية حصرا على الولايات المتحدة وروسيا  والصين وفرنسا وبريطانيا، إذ توسع النادي النووي ليشمل الهند وإسرائيل وباكستان وكوريا الشمالية فضلا عن دول أخرى تمتلك كل الإمكانية للدخول بقوة إلى هذا النادي، مثل ألمانيا اليابان إيران البرازيل وغيرها.

في الواقع فإن الردع النووي قائم منذ زمن طويل إذ تملك كل من روسيا وأمريكا قدرات نووية قادرة على تدمير الحياة على الكرة الأرضية عشرات المرات، لكن هذا التوسع في عضوية النادي النووي ينشئ مراكز قوى عديدة، سيكون لها أثر في صناعة السياسات والمصالح. الولايات المتحدة عادت لتفكر في تعزيز سباق التسلح في الفضاء، ربما هربا من سوء الواقع على الأرض، إذ بلغت ميزانية القوات الجوية الأمريكية للبرامج الفضائية هذا العام 7,75  مليار دولار، بزيادة عشرين بالمئة عن السنة المنصرمة وبنية زيادة هذه الميزانية في العام القادم إلى 8,5  مليار.

قائد سلاح الجو الأمريكي الجنرال ديفيد جولدفين يقول: “إن الحرب الفضائية مسألة وقت ويمكن أن تحدث في غضون سنوات”، وطالب بالتحضير لمعركة تدور خارج الكوكب. لقد حان الوقت لأن نعمل لأجل التفوق الفضائي.. يقول جولدفين. يذكرنا هذا الأمر ببرنامج استراتيجية حرب النجوم، التي طرحها الرئيس السابق رونالد ريغان في ثمانينيات القرن الماضي، وتقضي بإقامة قواعد عسكرية هجومية في الفضاء لكن ذلك لم يحصل. في المقابل تتحدث مصادر صحفية في موسكو، عن أن روسيا تمتلك أسلحة جديدة تشمل صاروخا نوويا غير محدود المدى، وطائرة بدون طيار تعمل بالطاقة نووية وأسلحة ليزر قتالية.

الولايات المتحدة تواجه صداعا قويا فبالإضافة إلى القلق الشديد من الصين و روسيا اللتين اعتبرهما ترامب العدو الأول لبلاده، فإنه لا يخفي ابتهاجه إزاء موافقة رئيس كوريا الشمالية على مقابلته. أما إيران التي تشكل صداعا آخر فإن مساعد رئيس هيئة الأركان مسعود جزائري يرفع مستوى التحدي أمام التهديدات الأمريكية بإلغاء اتفاق 6 + 1 فيشترط تفكيك الترسانات النووية والصواريخ بعيدة المدى في الولايات المتحدة و أوروبا مقابل التفاوض على الصواريخ البالستيه الإيرانية.

 المرحلة المقبلة هي مرحلة الصراعات الكبرى وتضارب المصالح ودخول العديد من القوى على الخط مما يهدد مكانة ودور الولايات المتحدة وإسرائيل مما يعني أن حال اليوم لن يدوم غدا.