غزة حارسة المشروع الوطني
نشر بتاريخ: 2018/02/12 (آخر تحديث: 2025/05/10 الساعة: 08:47)

ذلك ما نتمنى، ان ينقبر مشروع ترامب "التهويدي"، لاقامة دولة فلسطينية مؤقتة، عمادها الأساسي تقسيم الضفة الغربية، بعد تهويد ما يمكن تهويده، واعادة رسم جغرافيا القدس بشقيها ليصبح "الوجود الفلسطيني" بلدات محاصرة بعاصمة الكيان، جزر متناثرة ترتبط بأنفاق وجسور فيما يوازي نصف الضفة وتحت السيطرة الأمنية لدولة الاحتلال، على أن يتم تأجيل حسم باقي الأرض والمصير في مرحلة انتظارية بلا سقف زمني..ويصبح قطاع غزة هو قاعدة "الجزء المستقل" في الدولة المؤقتة، يمنح كل "شروط الاستقلال الخاص" على ان يبدو كـ"حل سياسي خاص"..

المشروع لم يعد سرا، وتصريحات ترامب الأخيرة، لصحيفة عبرية يحمل الفلسطيني مسبقا أنهم ضد السلام، رغم كل ما فعلوه، فيما يقدم "شكوكه" بأن اسرائيل قد لا تريد السلام..مخرجا القدس من أي مفاوضات عليها، رغم انه اتفاق أوسلو قال غير ذلك، معادلة أمريكية جديدة لم يسبق للعالم ان قرأ لها مثيلا، بأن يحاول رئيس أميركي فرض ما لا يمكن لأي عميل أو جاسوس مهما كانت "نذالته" قبول ما يعرضه ترامب أقله علانية..

وبعيدا عن ما يقال هنا أو هناك، بأن "المشروع الترامبي" ليس للنقاش بل للتنفيذ، فلا توجد قوة في الكون السياسي يمكنها أن ترغم الفلسطيني، أي فلسطيني كان من كان صفة وهوية، على قبول مثل هذا المشروع التصفوي للقضية الوطنية، الأخطر منذ حرب الاغتصاب للوطن التاريخي فلسطين عام 1948..

وتحسبا لفشل المشروع الترامبي، يبدو ان اجهزة الأمن الأمريكي بحثت عن جديد اعلامي - سياسي، لفرض وقائع "المشروع بطريقة "عصرية"، تبدو وكأنها تقدم "حل سحري" للكارثة الانسانية في قطاع غزة، تحت واقع حصار مركب يتعاظم يوما بعد آخر، تقوده فرقة ارتضت أن تصبح أداة "تنفيذية" للمشروع الترامبي الجديد..

اللعبة الأمريكية المخابراتية، تعمل عبر "وسائط محلية"، لترويج فكرة "إنقاذ غزة أولا"، فكرة وشعار تلامس عاطفة سكان القطاع باغلبيتهم، فمن الصعب أن يقف المرء أمام مثل هذا "الإغراء" لحل معضلة انسانية لا مثيل لها في عصرنا، حصار يحاول أن يقطع شرايين الحياة ويبقي بعضا من "أوردتها" كي لا تموت، فالموت ليس هدفا لهم، بل تشويه وعيهم وثقافتهم وكسر صمودهم، وتحريف الانتماء من الوطني العام الى "الانساني الخاص"..

نعم تشديد "الحصار الانساني" على قطاع غزة هدفه المباشر الوصول الى لحظة "التركيع السياسي"، هو جزء من آلية تنفيذ "مشروع ترامب" عمليا، من خلال "مشروع إنقاذي"..

نعم لـ"إنقاذ غزة" ولكن ضمن إنقاذ القضية الوطنية، فغزة ومنذ العام 1948 هي حارسة المشروع الوطني، وحدها حافظت على هويتها الفلسطينية، لم تهزمها كل الاغراءات، ساعدها بقوة واحتضان قومي نادر مصر بقيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، منحتها ميزات لم تمنح للمصري، لتبقى حارسة فلسطين، وبعد العدوان 1967 واحتلال باقي الأرض الفلسطينية منها إشتعل الغضب المسلح ضد المحتل..ومنها كانت انطلاقة الانتفاضة الوطنية الكبرى عام 1987..

قطاع غزة، دوما كان حاضرا لم يغب عن الفعل الوطني خدمة للمشروع العام، لم تنجح كل مؤامرات المستعمرين وأدواتهم في نشر "بذور الانشقاق عن الوطني العام"، منها بدأت قاعدة الكيانية الفلسطينية المعاصرة، أصر الخالد ياسر عرفات ان تكون معها جزء من الضفة الغربية كي لا يصبح "قاعدة" لمشروع الفصل العملي، فكانت أريحا اداة الوصل..

بعد انتخابات 2006، التي رسمتها المخابرات الامريكية بمساعدة قطرية فلسطينية، بدأت المحاولة العصرية لتنفيذ الحلم الصهيوني بفصل الضفة عن القطاع، ووقعت حماس في فخ المؤامرة، بوعي البعض منها ام لحب في "التملك السلطوي"، فحدث أخطر انحناءة وطنية عام 2007، حيث تم خطف غزة بالقوة المحلية تحت مراقبة دولة الكيان وقواتها العسكرية ومباركتها..

وصمتت السلطة ورئيسها محمود عباس على الانقلاب الحمساوي، ولم تبادر باتخاذ أي خطوات عملية لحصار "الخطف والانعزال" سوى بعبعة كلامية حتى عام 2017، وبعد فوز ترامب بدأت تتحرك السلطة ورئيسها لفرض إجراءات عقابية غير مسبوقة، كما أسماها محمود عباس في خطابه في العاصمة البحرانية شهر أبريل 2017، إجراءات عقابية بدأت وكأنها "رد فعل غاضب" على حماس، التي فاوضها عباس بعد ذلك باشهر ووقع معها اتفاق كان له أن يفتح مسارا جديدا، لكنه كان يعلم أن العقوبات قد تنكشف حقيقتها السياسية وهدفها الفعلي لو لم يذهب لتلك الخدعة السياسية..

إجراءات عباس العقابية ضد القطاع كانت دق الجرس والخطوة الأولى لتمرير مشروع ترامب، بعيدا عن "الضجيج الفارغ"، فالأصل هو كيف يمكن تحقيق التنفيذ دون أي مقاومة شعبية سواء في الضفة أو القطاع، ومن يراقب رد الفعل الشعبي على المشروع الأمريكي وقراره بشأن القدس يلمس أن هناك غياب حقيقي لقوة الفعل الشعبي لأسباب عدة..

حصار غزة الى حد الخنق ولحظة ما قبل "خروج الروح"، هو الأداة العملية التي تحاول أمريكا، أجهزة أمنية وسياسية، وأدوات محلية فلسطينية لإستخدامها لتمرير المشروع الانفصالي..

مشروع "إنقاذ غزة ولتذهب لتنقذ نفسها" ليس سوى أحد وجوه مشروع ترامب، ما يمنح اهل الضفة والقدس أن يتعايشوا مع آلية التنفيذ التقسيمية وتهويد ما يمكن تهويده..

لم يسبق أن شهدت فلسطين يوما دعوات تقسيمية كما هي دعوات اليوم، وكلها باسم الحرص على إنقاذ غزة..وتناسوا ان الانقاذ ليس مشروعا انفصاليا لتمرير خطف الضفة والقدس لصالح مشروع غير وطني، بل بإسقاط أدوات الحصار و"الترامبيون" المختبئين..فك الحصار بفرض واقع سياسي مشترك بين الضفة والقطاع حركة شعبية تسقط مؤامرة الحصار كمنفذ للإنفصال وتطبيق مشروع ترامب..تناسوا مقاومة التهويد وخطف القضية والقدس وتذكروا ان غزة محاصرة بيحثون لها حلا انعزاليا!

غزة ستسقط مشروع ترامب ومعه "الترامبيون" كل بصفته، هي حارسة المشروع الوطني كانت وستبقى!