مطالعة قانونية للآثار المحتملة لمراسيم المحاكم الإدارية وما يشكله من مخاطر تغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية

راديو الشباب
بداية أتوجه بالشكر والامتنان لكل الأكاديميين الذين ساهموا في هذه الاضاءات
- يعتبر القرار بقانون رقم 41 لسنة 2020م بشأن المحاكم الإدارية ونشر في الجريدة الرسمية 2021/01/11 من أهم وأخطر ما صدر عن رئيس السلطة الفلسطينية في الفترة الأخيرة، وفيما يبدو أنه استباق لما قد يحدث من تطورات او مفاجآت في العملية الانتخابية أو نتائج الانتخابات. حيث نجد أن المادة السابعة من القرار تنص على تعيين رئيس المحكمة الإدارية ونائبه وقضاتها،
- بقرار من الرئيس، بناء على تنسيب من الجمعية العامة للمحاكم الإدارية. وحتى لا يختلط الأمر ويلتبس على البعض، فالمقصود بالرئيس هنا هو رئيس السلطة كما ورد في التعريفات المدرجة في بداية القرار، وبالتالي فإن كل المحكمة تصبح دائرة كاملة تابعة للرئيس يشكلها كما يشاء، حيث أن الجمعية العامة للمحكمة تتشكل من ذات القضاة المعينين بقرار من الرئيس وهي الجهة المختصة في النقل والتأديب وغيره من شؤون قضاة المحكمة. حيث يتضح في الفقرة (2) من المادة السابعة، فإنه "لغايات تطبيق أحكام هذا القرار بقانون، يتم أول تعيين لرئيس ونائب رئيس المحكمة الإدارية وقضاتها ونائب رئيس المحكمة الإدارية العليا وقضاتها بقرار من الرئيس، بعد التشاور مع رئيس مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل، وكلاهما تحت سلطة الرئيس مباشرة كما هو معلوم، من خلال التعديلات الأخيرة على قانون السلطة القضائية التي تعطي صلاحيات واسعة للرئيس بالتدخل في تشكيلات مجلس القضاء الأعلى وصلاحياته بالإضافة إلى تعيين رئيسه، وتتأكد سطوة الرئيس على رئيس المحكمة الإدارية العليا من الفقرة (3) من الفقرة (7) التي تنص على أنه "يعين رئيس المحكمة الإدارية العليا وتقبل استقالته بقرار من الرئيس". تقرأ سلطة الرئيس وسطوته على هذه المحاكم على ضوء حقيقة مهمة وهي أن هذه المحاكم هي المسؤولة "عن الطعون الخاصة بنتائج الانتخابات التي تجري وفق التشريعات الناظمة لها" حسب الفقرة (1) من المادة (20) في هذا القرار، وبالتالي فإنه من السهل تصور أن المحكمة ستأتمر بأمر رئيس السلطة الفلسطينية في حال أن نتائج الانتخابات خالفت بعض الحسابات التي لا تروق له مثلا، بالإضافة طبعا إلى أنه قادر على إلغاء هذا القرار بقانون، بقرار آخر في أي لحظة تخالف هذه المحكمة أوامره، وهو ما يعد سيفًا مسلطًا على استقلال القضاة ونزاهة أعمالهم وقراراتهم.
- سيقول قائل بأن هناك محكمة مشكلة تنظر في الطعون الخاصة بالعملية الانتخابية "محكمة قضايا الانتخابات" التي تنص عليها المادة (20) من قانون الانتخابات، وهنا يمكن القول بأن تشكيل هذه المحكمة يأتي بناء على تنسيب مجلس القضاء الأعلى، وهو المجلس الذي أصبح الآن كاملاً بيد رئيس السلطة الذي بإمكانه التدخل في تشكيل هذه المحكمة بشكل مباشر وبالتالي فإنه يتوقع أن تمتثل هذه المحكمة أيضا لما يمليه الرئيس في حالة أن بعض مجريات العملية الانتخابية لم تأتِ على قدر حسابات السلطة التنفيذية، ومنها طبعا الاعتراض على المرشحين والترشيحات وغيرها، علمًا أن هذه المحكمة تكون مختصة في النظر بالاعتراضات على قرارات لجنة الانتخابات.
- على سبيل المثال لا الحصر: تكمن الخطورة الحقيقية في التحكم بمفاصل المحاكم الإدارية هو في استخدامها كأداة قامعة لكل ما لا يتوافق مع توجه رئيس السلطة أو مستشاريه سواء على صعيد النتائج أو المرشحين وقوائمهم. هنا يمكن النظر مثلاً إلى الطعون التي يمكن أن تقدم بخصوص مصادر تمويل الحملات الانتخابية للقوائم ومرشحيها وإمكانية التشكيك في المصادر التي يحظر أن تكون أجنبية أو أن تتجاوز مبالغ معينة، والتي يمكن أن تكون مدخلاً مهمًا للطعن بفوز قائمة أو فوز أحد المرشحين على قائمتها أن لم يستطع لأي سبب من الأسباب اثبات مصادر التمويل وحجمها بدقة ضمن نصوص المادة (68) من قانون الانتخابات، مما يشكل ثغرة حقيقية يمكن النفاذ منها وإسقاط بعض القوائم في حالة عرض هذه الطعون أمام المحكمة الإدارية لكونها مخولة بالنظر بها، ولكونها خاضعة لسلطة رئيس السلطة بشكل مباشر كما تم بيانه أعلاه. كذلك يمكن الالتفات إلى إمكانية الطعن بأي مادة منشورة من قبل أي قائمة في حملتها الانتخابية ويدعى فيها استخدام "أي تحريض أو طعن بالمرشحين الآخرين على أساس الجنس أو الدين أو الطائفة أو المهنة أو الإعاقة، أو أي إثارة للنعرات التي تمس بوحدة الشعب الفلسطيني." والتي يمكن استغلالها أيضًا في الطعن بقائمة معينة في حال فوزها على اعتبار "أن مدير الحملة الانتخابية أو المنسق أو المنسقين للحملة الانتخابية لمرشح منصب الرئيس أو القائمة الانتخابية للتشريعي، متكافلين ومتضامنين المسؤولية الكاملة عن نشاطات ومواد الدعاية الانتخابية الصادرة عن الحملة". مع علمنا بإمكانية حصول ذلك بحسن نية أو لقلة خبرة من بعض القائمين على القوائم فإن ذلك يعطي مبررات خطيرة لمن أراد الطعن في نتائج فوز بعض القوائم ومرشحيها، وبما أن المآل النهائي سيكون بيد المحكمة الإدارية فإنها في الغالب ستحكم بما يريده الرئيس.