نشر بتاريخ: 2023/09/05 ( آخر تحديث: 2023/09/05 الساعة: 09:38 )

راديو الشباب  - خاص - نور عليان

ثمانية رجال حفروا في ذاكرة الاحتلال شبح الخامس من أيلول عام 1972م، عندما أقدموا قبل ساعات الصباح بقليل من ذلك اليوم، من ارتداء ملابس رياضية في القرية الأولمبية من مدينة "ميونيخ الألمانية"، حملوا معهم بنادق كلاشينكوف وقنابل يدوية، متجهين نحو مقر إقامة الفريق "الإسرائيلي"، ليبدأوا ما خططوا له من اختطاف الفريسة، وكان التنفيذ حينها اختطاف الفريق الإسرائيلي، حيث اعتبرت العملية واحدة من أكثر عمليات الاختطاف إثارة في القرن الـ20 وأطلق عليها "عملية ميونيخ".

لماذا هذه العملية، وكيف بدأت؟

عملية ميونيخ، هي عملية اختطاف رهائن نفذتها منظمة أيلول الأسود بحق عدد من لاعبي المنتخب التابع للاحتلال، والمشاركين في دورة الأولمبياد الصيفية المقامة بمدينة ميونيخ في ألمانيا بتاريخ 5 - 6 سبتمبر/أيلول 1972م.

وحين الإعلان عن اختطافهم، طالبت المنظمة بالإفراج عن 236 معتقلا في سجون الاحتلال، معظمهم من العرب، وكانت بينهم أسيرتان مغربيتان فرنسيتان اعتقلتا أثناء تهريبهما سلاحا للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

وأيضاً ريما عيسى وتيريز هلسة اللتان اعتقلتا في عملية خطف طائرة "سابينا 572″، وأسماء ضباط سوريين أَسرتهم "إسرائيل" مع ضابط لبناني.

بالإضافة إلى الأسيرين "أولركه ماينهوف وأندرياس بادر" وهما عضوان في مجموعة "بادر ماينهوف" الراديكالية الألمانية، المتعاطفة مع قضية الشعب الفلسطيني، والمحتجزان في السجون الألمانية، وكوزو أوكاموتو من "الجيش الأحمر" الياباني الذي نفذ مع رفاق له عملية مطار اللد.

في روايات مختلفة حول العملية، أنها جاءت للرد على عمليات الاغتيال التي نفذها الموساد الإسرائيلي ضد شخصيات فلسطينية، وردا على قصف قواعد الفدائيين في لبنان، وأيضاً للفت انتباه العالم إلى القضية الفلسطينية خلال هذا الحدث الهام، فضلاً عن المطالبة بالإفراج عن المعتقلين.

ماذا حصل بعد اغتيال غسان كنفاني ورفض مشاركة فريق فلسطيني بالأولمبياد

في بداية عام 1972م، قدم المجلس الأعلى لرعاية الشباب الفلسطيني آنذاك، طلبا إلى لجنة الأولمبياد الدولية للموافقة على مشاركة وفد فلسطيني في بطولة الألعاب بميونيخ، إلا أن الطلب تم رفضه، وفي تلك الفترة كان صلاح خلف قائد الأجهزة الأمنية الخاصة لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومحمد عودة عضو المجلس الوطني الفلسطيني، يفكران في القيام بعملية مدوية ردا على عمليات الاغتيال التي ينفذها جيش الاحتلال "الإسرائيلي".

 كانا خلف وعودة يفكران أن تكون العملية بداية ضد الموساد وأذرعه، لكن بعد اغتيال القاص والروائي الفلسطيني غسان كنفاني والذي استشهد في يوليو/تموز من العام ذاته، فتح الباب لتنفيذ عملية انتقامية مشابهة.

وقاما بكتابة الخطوات الأولى وتحديد الهدف، مثل سفارات وقنصليات إسرائيل، لكن هذا المقترح رُفض؛ لتجنب الدخول في مشاكل مع الدول التي تستضيف البعثات، حتى جاء الحدث الأكبر وهو أولمبياد ميونيخ لرد الصاع صاعين، أولا على اغتيال الاحتلال الإسرائيلي شخصيات فلسطينية، وثانيا على اللجنة الأولمبية التي رفضت مشاركة الفريق الفلسطيني.

التخطيط للعملية 

اقترح فخري العمر أحد مؤسسي حركة فتح، الدخول إلى القرية الأولمبية واحتجاز لاعبي الاحتلال في الداخل، ومن هنا جاءت الفكرة للتخطيط.

في ذاك الوقت، طلب صلاح خلف من محمد عودة القيام بجولة في أوروبا لشراء أسلحة وإيصالها إلى ميونيخ.

أثناء التخطيط للعملية، كان الاحتلال الإسرائيلي لا يتوقف عن عملياته، حيث حاول اغتيال بسام أبو شريف رئيس تحرير مجلة "الهدف"، التي تصدرها "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" بواسطة طرد مفخخ، كما حاول اغتيال أنيس صايغ مدير مركز الأبحاث الفلسطيني، وعلى الرغم من أن المحاولتين فشلتا، فإنهما أحدثتا تشوهات في الرجلين الذين لم يكن لهما أي دور في الأعمال العسكرية على الإطلاق.

في نهاية المطاف، تبلورت الخطوط العريضة للعملية، وهي دخول فدائيين يرتدون ملابس رياضية عن طريق السياج الخارجي إلى الداخل ليبدوا كأنهم لاعبون مشاركون في الأولمبياد، ومن ثمّ يقومون باقتحام مقر إقامة البعثة الإسرائيلية في وقت متأخر؛ لضمان أن يكون نياماً، في حين جهّز المخططون لطباعة جوازات سفر مزورة؛ لضمان دخول الفدائيين إلى ألمانيا دون أن يواجهوا أي مخاطر.

دقت ساعة الصفر
الثامنة صباحا، تحقق النجاح، واستطاع أفراد منظمة أيلول الأسود في التسلل بنجاح إلى مقر إقامة الفريق الإسرائيلي، فقتلوا أحد أفرادهم واحتجزوا 13 آخرين.

بدأت المفاوضات مع الفدائيين بحضور وزير الداخلية الألماني الذي قدم العديد من العروض على الفدائيين من بينها مبلغ غير محدد من المال، وثانياً مبادلة أعضاء البعثة الإسرائيليين بمسؤولين حكوميين ألمان، لكنَّ الفدائيين رفضوا جميع العروض المقدمة، وأصروا على شروطهم المسبقة بإطلاق سراح الأسرى.

كمين إسرائيلي - ألماني.. ماذا حصل؟

وبعد ساعات من المفاوضات وافق الفدائيون على طلب ألمانيا انتقالهم مع الرهائن إلى مطار ميونيخ ثم السفر إلى العاصمة المصرية القاهرة.

وبالفعل جهزت الحكومة الألمانية طائرتي هليكوبتر وسلمتهما للفدائيين الذين صعدوا على متنهما رفقة الرهائن، وبدلاً من أن يتجه طيارا الطائرتين نحو ميونيخ للانتقال إلى القاهرة، هبطتا بمطار عسكري تابع لحلف شمال الأطلسي في بلدة فورستنفلدبروك الألمانية، إذ اتضح أن الشرطتين الألمانية والإسرائيلية نصبتا كميناً للفدائيين. 

وخلال تبادل لإطلاق النار قتل جميع الرياضيين الإسرائيليين و5 من الفدائيين واشتعلت النار في المروحيتين، كما توقفت الألعاب الأولمبية ليوم واحد.

وعلى الرغم من ذلك، فقد نشرت  إسرائيل 45 وثيقة رسمية بشأن عمليات القتل بميونيخ في 1972، منها وثائق رُفعت عنها السرية حمّلت المسؤولية كاملة لأداء الأجهزة الأمنية الألمانية في الاستجابة للعملية.

وفي إحدى الوثائق تصريح رسمي من الرئيس السابق للاستخبارات الإسرائيلية، زفي زامير، قال فيه إن الشرطة الألمانية "لم تبذل أدنى الجهود لإنقاذ أرواح"، وفقاً لما ذكره موقع "الحرة".

في حين تشير وثائق نشرها موقع "الجزيرة نت"، إلى أن إسرائيل أصيبت بالصدمة جراء قيام ألمانيا بإطلاق سراح الفدائيين الثلاثة الذين نجوا بعدما نجحت جماعة أيلول الأسود في خطف طائرة ألمانية.

وأضافت الوثائق أن الألمان استخدموا مسدسات بدلاً من بنادق قناصة، وأنهم أحجموا عن تقديم الإسعافات الأولية للمصابين حتى ماتوا نزفاً، كما أنهم لم يبذلوا الجهد المطلوب لإنقاذ الرهائن ورموا النار بطريقة عشوائية، واصفاً أداءهم بالفاشل والمأساوي.

النهاية

بعد فشل عملية إنقاذ الرهائن، قررت رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك، غولدا مائير، الانتقام من منظمة "أيلول الأسود".

وسرعان ما تشكّلت لجنة إسرائيلية برئاسة مائير، وعضوية وزير الدفاع موشيه دايان، للرد على مقتل الرياضيين الإسرائيليين الـ11، سيفتحون نيرانهم على كل مَن له علاقة بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة بمنظمة "أيلول الأسود"، وفق موسوعة Britannica البريطانية.

وشكلوا فريق الاغتيال وأطلقوا عليه "غضب الله" أو "غضب الرب"، وضموا إليه عمالقة وكالة الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية "الموساد"، مدعومين بفرق العمليات الخاصة، وقرروا تعقُّب وقتل المشتبه في تخطيطهم لـ"مذبحة ميونيخ" أو المشاركين فيها.

كانت قائمة المطلوبين طويلة، حيث تصدرها 3 وهم الناجون من فريق المنفذين الـ8، حيث توفي 5 في تبادل إطلاق نار مع قوات الشرطة أثناء محاولة فاشلة لإنقاذ الرهائن، وأطلقت حكومة ألمانيا الغربية سراح الباقين بعد أسابيع من احتجازهم مقابل تحرير طاقم الطائرة المختطفة التابعة للخطوط الجوية الألمانية "لوفتهانزا".

الكلمات الدلالية