نشر بتاريخ: 2021/01/02 ( آخر تحديث: 2021/01/02 الساعة: 14:45 )

 راديو الشباب - خاص - مريم الدعبله

انطلقت الثورة بعد سبعة عشر عاماً من النكبة، شهد الشعب الفلسطيني خلالها كل أشكال المعاناة، من لجوء وتشريد، وانقطاع التواصل بين أبنائه بحكم الحدود والجغرافيا السياسية، لقد ارتبط اسم حركة فتح منذ انطلاقتها بهويتها النضالية، المبادئ، المنطلقات، الأهداف، والتي فجرت طاقات الشعب الفلسطيني وجعلتها حركة الوطنية الفلسطينية، وكانت نقطة التحول التاريخي بتحويل القضية الفلسطينية من مسألة إنسانية (لاجئين) إلى قضية سياسية بامتياز، ومارست حركة فتح دورها القائد باستنهاض وتفعيل كوامن الشعب الفلسطيني وقدراته واستطاعت أن تكون الرقم الصعب في معادلة المنطقة، وأدرك العالم أن السلم يبدأ من فلسطين أو استمرار الصراع في منطقة ملتهبة لم تعرف الأمن والاستقرار طويلاً.

ففي العام 1958 غادر الرئيس ياسر عرفات جمهورية مصر العربية إِلى الكويت حيث عَملَ كمهندسِ وتُقابلُ سيادته مع عدد من الشخصيات الفلسطينية أمثال الشهيد أبو جهاد والشهيد أبو إياد، نَاقشَ معهم فكرة تَأسيسِ حركة التّحريرِ الوطنيِ الفلسطينيِ "فتح"، بعد ذلك رَجعَ إِلى فلسطين، حيث قَابلَ مجموعةَ النّشطاءِ الفلسطينيين ليعلن انطلاقة حركة فتح في الأول من كانون الثاني/ينايرِ 1965، وبَقى في القدس حتى 1967، وغادرها إلى الأردن وعاد إلى فلسطين بشكل سري ثلاثة مرات.

قادَ عرفات فصائل منظمة التحرير في معركة الكرامة وذلك في عام 1968، وبمساندة الجيش العربي الأردني تم تحقيق انتصار عظيم على الجيش الإسرائيلي، وانتخبَ الرئيس ياسر عرفات رئيساً للّجنةِ التّنفيذيةِ لمنظمة التحرير الفلسطينية في العام 1969 وهو ثالث رئيس للمنظمة خلفا لأحمد الشقيري ويحيى حمودة. 
وبعد أحداث أيلول 1970 التي حدثت في الأردن، غادرها إلى بيروت وبقى فيها حتى عام 1982، وبعد حصار مرير من الجيش الإسرائيلي لمدة ثلاثة شهور، أثبت خلالها المقاتل الفلسطيني قدرة وكفاءة عالية على الصمود، وإصرار على تحرير فلسطين، غادرها إلى تونس.

وفي عام 1987 اندلعت الانتفاضة الفلسطينية المباركة نتيجة طبيعية لتراكم ضغوطات الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، حيث سارع الرئيس إلى توجيه مقدرات كامل الشعب الفلسطيني لدعمها، وفي 13 أيلول 1993، وقع سيادته على اتفاقية إعلان المبادئ في واشنطن، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين.
ووقع عرفات اتفاق القاهرة 4 مايو/أيار ليعود إلى غزة في تموز/يوليو 1994، بعد 27 عاماً من الاحتلال والقمع والقتل الإسرائيلي للشعب الفلسطيني واغتصابه المتكرر للأراضي، وحصل سيادته على جائزة نوبل للسلام مشاركة مع اسحق رابين وشمعون بيرس نتيجة لمساعيه الصادقة تجاه عملية السلام في الشرق الأوسط.

نتيجة لعدم الالتزام المتكرر من الحكومة الإسرائيلية وبعد مناقشات شاقة وقع الرئيس عرفات على اتفاق طابا في عام 1995، وفي 20 كانون الثاني/يناير من نفس العام انتخب رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية من خلال انتخابات حرة مستقلة أشرف عليها العديد من دول العالم وحصل على نسبة 83% من لأصوات الناخبين.

وكان يشرف الرئيس بشكل يومي ومباشر على قضايا الشعب الفلسطيني المصيرية، ويضع أولوية خاصة لعملية السلام وتطوراتها ومتابعة الاتفاقيات المبرمة، ويساعده في ذلك فريقاً من المستشارين في كافة مجالات الحياة، كما كان يحرص سيادة الرئيس عرفات على عقد مجلس وزراءه بشكل أسبوعي ومنتظم، لمناقشة كافة القضايا السياسية والاقتصادية ومشاريع القوانين، وكان يتابع تطور العمل في مختلف مؤسسات الوطن وخصوصاً الجهاز القضائي والتشريعي تمهيداً لإرساء دولة المؤسسات والقانون، ويولي اهتماما خاصاً في متابعة وضع دستور دولة فلسطين، بالتعاون مع جامعة الدول العربية، وحرص الرئيس على الالتقاء بحكام ورؤساء الدول العربية والصديقة، لاطلاعهم على آخر التطورات والمستجدات على الساحة الفلسطينية وعملية السلام في الشرق الأوسط، لكسب المزيد من التأييد لقضية فلسطين.

شارك عرفات بصفته رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة في مؤتمر القمة الرابع لحركة عدم الانحياز في 1973 في الجزائر، حيث قرر المؤتمر الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا وحيدا للشعب الفلسطيني وانتخب عرفات نائبا دائما للرئيس في حركة عدم الانحياز.

في شباط/فبراير 1974 شارك في مؤتمر القمة الإسلامي في لاهور بباكستان والذي أعلن أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وانتخب عرفات نائبا دائما للرئيس الدوري لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وكرس مكانة المنظمة عربيا في القمة العربية السادسة في الرباط في 28 تشرين الأول/أكتوبر 1974 التي اعترفت بمنظمة التحرير"ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني ".

وتوج عرفات النجاحات السياسية للثورة الفلسطينية يوم 13تشرين الثاني /نوفمبر 1974 حين ألقى خطابا تاريخيا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال عبارته الشهيرة في ختام الخطاب "جئت حاملا غصن الزيتون في يد، وفي الأخرى بندقية الثائر، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي".

حاول الإسرائيليون اغتياله في تموز/يوليو 1981حين قصفوا البناية التي تضم مقر قيادته في الفاكهاني ببيروت ودمروها كليا ليدفنوا تحت انقاضها أكثر من 100 شهيد، وقاد قوات الثورة الفلسطينية في معركة الصمود ببيروت 1982 وخلالها نجا من عدة محاولات لاغتياله.

وغادر بيروت يوم 30/8/1982على متن السفينة اليونانية "أتلانتيد".. كانت اليونان محطته الأولى بعد المغادرة ومكث فيها يوما واحدا وغادرها إلى تونس المقر الجديد لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية في المنفى، وتصدى في العام 1983 للانشقاق الذي نفذه عدد من عناصر "فتح" بدعم وتوجيه من الحكومة السورية، وعاد إلى طرابلس بشمال لبنان سرا عبر البحر في 20/9/ 1983 ليقود القوات الفلسطينية وحوصر في طرابلس حتى 19/12/1983 ليغادر بعدها ويزور مصر لينهي بذلك المقاطعة العربية لها.

وجدد المجلس الوطني في اجتماعه بعمان في 1984 الثقة به وانتخبه مرة أخرى رئيسا للجنة التنفيذية للمنظمة، ونجا من محاولة لاغتياله في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 1985 حين قصفت 8 طائرات إسرائيلية مقر قيادته في حمام الشط بتونس ودمرته.

وفي15 تشرين الثاني/ نوفمبر1988 أعلن استقلال "دولة فلسطين" في الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر، وألقى خطابا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 13/12/ 1988 في جنيف حيث قامت الجمعية العامة في خطوة غير مسبوقة، بنقل اجتماعاتها من نيويورك خصيصا للاستماع إلى كلمته بعد أن رفضت واشنطن منحه تأشيرة دخول إلى نيويورك.

أعلن في جنيف يوم 14/12/1988 قبول القرار 242 ونبذ الإرهاب ما نتج عنه إعلان الرئيس الأميركي رونالد ريغان فتح حوار مع المنظمة في أواخر العام 1988، وانتخبه المجلس المركزي الفلسطيني رئيسا لدولة فلسطين في 30/4/ 1989، وكان لاندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 ضد الاحتلال الإسرائيلي وتعرض الفلسطينيين فيها للقمع والقتل، أثره في حصول القضية الفلسطينية على تعاطف دولي، استثمره عرفات بحنكته السياسية لتحريك عملية السلام، وفي إبريل 1989 كلف المجلس المركزي الفلسطيني عرفات برئاسة الدولة الفلسطينية، وفي 2 أيار من نفس العام خلال زيارة رسمية إلى باريس كانت أول تكريس لعلاقات دبلوماسية مع دولة غربية، أعلن فيها عرفات أن الميثاق الوطني الفلسطيني أصبح "لاغيا".

 ونجا عرفات من موت محقق عندما سقطت طائرته وتحطمت في الصحراء الليبية أثناء رحلة انطلقت من الخرطوم في 7/4/1992.

وحضر مراسم توقيع "اتفاقية أوسلو" بين منظمة التحرير والحكومة الإسرائيلية في 13/9/1993في البيت الأبيض بواشنطن، وانتخبه المجلس المركزي الفلسطيني يوم 12/10/1993 رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية.

وحصل بالاشتراك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين ووزير خارجيته شمعون بيريس على جائزة نوبل للسلام في العام (1994) وفي نفس العام حصل أيضا على جائزة هوفوات ـ بوانيي للسلام وجائزة صندوق ريغان للسلام، وجائزة الأمير استورياس" ولي العرش الاسباني"، وحصل على عدة جوائز أخرى وأوسمة وشهادات دكتوراة فخرية من دول وجامعات خلال مراحل قيادته للشعب الفلسطيني.

وقع مع اسحق رابين في 4/5/1994" اتفاقية القاهرة" لتبدأ مرحلة نقل الأراضي المحتلة "غزة ـ أريحا أولا" إلى السلطة الفلسطينية، وعاد إلى أرض الوطن في 1/7/1994 لأول مرة بعد 27 سنة من الغياب القسري بزيارة "استهلالية" لغزة وأريحا قبل عودته النهائية للاستقرار في الوطن يوم 12/7/1994حين وصل إلى غزة ليبدأ من مقره في "المنتدى" معركة بناء السلطة الوطنية وإقامة مؤسساتها. 

اتفاق طابا

وقع عرفات بمدينة طابا المصرية في 24 سبتمبر/ أيلول 1995 بالأحرف الأولى على اتفاق توسيع الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، بعدها انتُخب رئيسا للسلطة الفلسطينية بحصوله على 88.1% من أصوات المشاركين في الانتخابات التي جرت لأول مرة في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية في 20 /1/1996.

اتفاق واي ريفر

استمر الزعيم الفلسطيني في المسيرة السلمية رغم تعنت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو واستمرارها في بناء المستوطنات، وكان التوقيع على اتفاقية واي ريفر في الولايات المتحدة الأميركية في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 1998.

وشارك في مؤتمر القمة الثلاثية في كامب ديفيد بالولايات المتحدة في تموز/يوليو 2000 والتي انتهت بالفشل بعد رفضه لمحاولات فرض حلول إسرائيلية لقضايا الوضع النهائي، لتبدأ بعد ذلك الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الثانية إثر زيارة ارئيل شارون للحرم القدسي الشريف يوم 28/9/2000، ومنعته إسرائيل يوم 8/12/2001 من مغادرة رام الله إلا بإذنها وبدأت فعليا مرحلة محاصرته في رام الله.

وغاب عن المشاركة في القمة العربية في بيروت في 26/3/2002 لأن شارون هدد بأنه لن يسمح له بالعودة إلى الأراضي الفلسطينية إذا غادرها.

فشل كامب ديفيد.. الانتفاضة

وشهد منتجع كامب ديفيد في 25 تموز / يوليو 2000 حيث شارك عرفات في قمة ثلاثية جمعته ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك والرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون وصول عملية السلام إلى طريقها المسدود، إلا أن رفض أبو عمار تقديم تنازلات لإسرائيل في قضايا تتعلق بالوضع النهائي للأراضي الفلسطينية ومن بينها القدس، أعاد إليه مرة أخرى قدرا من شعبيته بين الفلسطينيين.

غير أن اصطدام السلطة بالمواقف الإسرائيلية المتعنتة أدى إلى انحسار التأييد الشعبي لمشروع السلطة الفلسطينية وقيادتها الممثلة في شخص عرفات، وساهم في ذلك الانحسار قيام السلطة الفلسطينية بملاحقة نشطاء فصائل المقاومة خاصة الإسلامية منها تنفيذا لاستحقاقات الاتفاقيات التي وقعتها مع إسرائيل، فتوالت على عرفات الاتهامات بأنه أصبح أداة في يد الاحتلال لقمع المقاومة الفلسطينية كما تزامن مع ذلك بداية الحديث المتصاعد عن فساد السلطة وتراخي رئيسها في مواجهته، وبحلول عام ألفين توقفت تماماً عملية السلام.

حركة فتح الطليعة الثورية للشعب الفلسطيني، والتي تؤكد منذ انطلاقتها في  1/1/1965 قدرتها على قيادة مسيرة النضال والثورة، وشكلت مبادئها ومنطلقاتها وأهدافها بوصلة حركة التحرر الوطني الفلسطيني، لقد جسدّت كينونتها أنها تنظيم غير مغلق على نفسه أو يحمل مفاهيم الشمولية، لا يمثل طبقة أو شريحة معينة، بل هو إطار جامع في بنيته التنظيمية تتكامل في إطاره كل شرائح المجتمع الفلسطيني من أجل المسؤولية الوطنية التاريخية لتحقيق الأهداف الوطنية على طريق الحرية والاستقلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وحق العودة.

شكلت حركة فتح بانطلاقتها نقطة تحول في حياة الفلسطينيين والجماهير العربية، تلك الجماهير التي وجدت في الثورة الفلسطينية المعاصرة الرئة التي تنفست من خلالها لرفض الواقع العربي وأخذ دورها بعد عقود من التهميش والتغييب وبكل سلبياته، وكان النظام الرسمي العربي يعيش التخلف والتبعية والتجزئة وغير قادر أن يكون جزءا من الجغرافيا الحضارية ومنقسماً على نفسه غيّب هويته بين يمين ويسار وتتجاذب مصالح الدول الكبرى وتستنزف ثرواته.

حين انطلقت حركة فتح وضعت النكبة وجدليتها التاريخية إحدى إرهاصات فكرها السياسي إلى جانب التجربة النضالية الوطنية للحركة الوطنية الفلسطينية، ووضعت اللبنات الأولى للمفاهيم الأساسية بأن فتح حركة وطنية ثورية، وهي للشعب بكل فئاته، تخوض النضال وتمارسه وهي المسؤولة في توجيه مسيرة النضال الفلسطيني وفق المصلحة الوطنية العليا، وتمارس الديمقراطية وتؤمن بالقيادة الجماعية والشراكة والتعددية، ونظريتها التنظيمية هي الأسلوب في علاقاتها الداخلية ترتكز على الديمقراطية دليلاً على وحدة  العمل والتنظيم والانسجام الفكري والتفاعل السياسي وحرية الرأي والنقاش واتخاذ القرار الجماعي وعقد المؤتمرات دليلاً على استمرار الحياة التنظيمية وتطبيق النظام الأساسي الذي ينظم الحياة الداخلية للتنظيم.

الكلمات الدلالية