أموال المقاصة ورواتب الموظفين بين الواقع والمأمول

متابعة خاصة – عمار البشيتي – راديو الشباب
تمشي كأن المدن تحكي أوجاعها، وتشتكي من ضيق الحال، وتسير بين طرقاتها وشوارعها، لتشاهد نظرات الناس حائرة، وكأنها تشتكي من الواقع المرير، الذي يفرض سوطه وجبروته على المواطن المغلوب على أمره في قطاع غزة.
فالوضع المعيشي الصعب، واستمرار المعاناة، وتراكم الأزمات التي أثقلت كاهل المواطن والتي نهشت جلد الشيبة، وأجساد الشباب، وأنهكته الأزمات المتفاقمة منها الفقر المدقع، والبطالة المتفشية، وأزمة المياه والكهرباء، وأزمة الصرف الصحي، وغلاء الأسعار، وإغلاق المعابر، وشح الأدوية في ظل جائحة كورونا.
وما ضاعف كل ذلك من حصار الاحتلال واحتجاز أموال المقاصة من جانب وإجراءات فرضتها سلطة عباس وحكومته لخنق غزة، والتي زادت الأمور سوءاً وظلما وقهرا، منها خصومات الرواتب والتقاعد المالي وسياسة قطع الرواتب.
شهادات حية
استطلع راديو الشباب أوضاع وآراء بعض الموظفين حيث يضّطر الموظف أبو سمير قضاء أطول وقت ممكن خارج بيته خلال اليوم، خشية من طلبات أهل بيته، التي لم يعد قادرًا على توفير الحد الأدنى منها؛ بسبب الخصم الذي طال راتبه قبل سنتين نتيجة التقاعد المالي.
أما أبو بشار الذي تنتابه الحسرة لعجزه عن توفير متطلبات أبنائه الخمسة، يعيش على الديون وبعض المساعدات التي يقدمها له أهل الخير، ويقول: "أنا لم أدقّ باب أحد وأسأله شيئًا بحمد الله، وأقول دائمًا يا رب".
ودفع الوضع المعيشي الصعب الذي يعيشه أبو بشار لـإغلاق باب الترفيه عن أبنائه، فهو غير قادر على توفير لقمة العيش، وأصبح اصطحابهم لنزهة قصيرة شيئًا من الترف.
ومن جانبه يقول أبو عاصف الذي قُطع راتبه قبل سنتين لراديو الشباب أن أوضاعه المعيشية غاية في السوء، فالديون تتراكم عليه في محلات البقالة والصيدليات، وبات كثير من أصحاب المحلات التجارية يحجمون التعامل معه لأنه غير قادر على سداد ديونه.
ورغم ذلك فإنه لم يفكر يومًا في ترك عمله الإنساني أو التقصير فيه، ويشير إلى أنه لا ينتظر منّة من أحد، لكنه يريد حقه فقط وإعادة راتبه.
حاله كحال المئات من الموظفين الذين قطعت حكومة رام الله رواتبهم، منهم أسرى، أسر الشهداء، جرحى، تفريغات 2005، وغيرهم من الموظفين ولم تصرف لهم أي رواتب، ولا زالوا بانتظار لجنة تم تشكيلها لدراسة أوضاعهم.
تصريحات متناقضة
صرح الدكتور محمد اشتية، رئيس حكومة رام الله، أنه في حال استلام أموال المقاصة كاملة من الجانب الإسرائيلي، سيتم صرف جميع المتأخرات للموظفين الفلسطينيين دفعة واحدة، لافتاً إلى أنه إذا لم يتم استلامها كاملة، فسيتم صرف ما سيتم استلامه.
وقال اشتية: "إن الأزمة التي عانيناها انعكست على الموظفين ومنتسبي الأجهزة الأمنية، والمتقاعدين وعشرات آلاف الحاصلين على المساعدات والإعانات الاجتماعية، وشركات القطاع الخاص وغيرهم، وأن شعبنا أثبت مرة أخرى أنه قادر على إسقاط مؤامرات تمييع القضية الوطنية".
ماذا قال وزير المالية بحكومة رام الله
وزير المالية شكري بشارة أجاب على تساؤلات الموظفين في قطاع غزة خلال تصريح له أن انتهاء أزمة المقاصة لا يعني انتهاء الأزمة المالية لموظفي السلطة في غزة.
وقال بشارة في حديث له: "إنه تم الإيعاز إلينا من رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية بأنه علينا الاستعداد لاستقبال هذه الأموال وتحديد آلية صرفها".
وأوضح بشارة أن أزمة موظفي السلطة في قطاع غزة لا ترتبط بأزمة المقاصة، وإنما هي نتيجة للخلافات السياسية القائمة، وتوجيهات من جهات سيادية عليا.
ومن المتوقع أن تصل الدفعة الأولى من أموال المقاصة مطلع ديسمبر المقبل، وذلك بعد إعلان الوزير حسين الشيخ عن انتهاء أزمة المقاصة مع الاحتلال.
أمل منقطع:
ويتابع الموظفون في قطاع غزة أخبار الرواتب والتصريحات المختلفة بخصوص أموال المقاصة، وينتظرون بأمل ضئيل، أن يتم صرف رواتبهم كاملة دون اقتطاع، مع تمنياتهم بإلغاء التقاعد المالي، وصرف المستحقات كاملة، وإعادة الرواتب المقطوعة، ومع كل هذه التصريحات لا زال الموظف حائرا متساءلاً هل يستلم راتبه الشهر القادم دون خصومات؟
راديو الشباب تابع آراء بعض النشطاء على فيس بوك فكتب حسين الشريف: "للأسف دائما موظفي السلطة في قطاع غزة خارج حسابات سلطة رام الله فمستحقاتهم ورواتبهم مرتبطة بالخلاف السياسي فتصريح وزير المالية بشارة يؤكد ذلك رغم توافر أموال المقاصة إلا أن موظفي القطاع مستثنون من هذه الأموال، ولابد من المساواة بين موظف الضفة وموظف غزة وإلى متى سوف نظل نراهن على وفاء الاحتلال باتفاقياته".
أما المهندس بلال مبارك قال على صفحته: "سؤال مشروع هل ستقوم قيادة السلطة بإعادة الرواتب المقطوعة والخصومات على الرواتب وحقوق قطاع غزة بعد حصولها على أموال المقاصة وهل سيزول التمييز الجغرافي؟
وذكر أبو ياسر عبر صفحته بفيس بوك "مش لو استلموا المقاصة بس، والله لو أمطرت السماء عليهم مقاصات ودولارات وألماس، رواتب غزة هي نفسها مش راح تتغير ،عشان هيك ريحوا دماغكو وافهموا" مضيفا "الموضوع لا مالي ولا سياسي ولا بطيخي".
بينما كتب الدكتور إيهاب أبو زيد عبر صفحة فيس بوك متسائلاً "لماذا لم يتقدم المتضررين من التقاعد المالي للقضاء والمطالبة بحقوقهم".
أولوية الحكومة عند استلام أموال المقاصة
وتنتظر الحكومة الفلسطينية، تحويل إسرائيل أموال المقاصة المعلقة لديها منذ مايو/ أيار الماضي، خلال الأسبوع الجاري، للبدء بصرفها وفق أولويات وضعتها وزارة المالية في حكومة اشتية.
وقال وزير الاقتصاد في حكومة رام الله خالد العسيلي: "إن أولوية الحكومة في الإنفاق بعد استئناف تحويل المقاصة من إسرائيل، ستكون صرف متأخرات الموظفين ومتلقي المخصصات الشهرية الثابتة".
ويبلغ عدد الموظفين العموميين نحو 136 ألفا، ويرتفع الرقم إلى قرابة 210 آلاف مع إضافة ما تطلق عليهم الحكومة (أشباه الرواتب)، تمثل رواتب المتقاعدين والمخصصات الاجتماعية وذوي الشهداء والأسرى والمحررين.
وسمح إعلان السلطة الفلسطينية، إعادة العلاقة مع إسرائيل إلى "مسارها الطبيعي"، باستئناف تحويل أموال المقاصة.
والمقاصة، هي ضرائب تجبيها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية عن واردات الأخيرة من الخارج مقابل عمولة 3 بالمئة، ويبلغ معدلها نحو 200 مليون دولار شهريا، تشكل حوالي 60 بالمئة من إجمالي إيرادات السلطة الفلسطينية.