نشر بتاريخ: 2024/09/26 ( آخر تحديث: 2024/09/26 الساعة: 00:15 )

شهداء وليسوا أرقاما.. الشهيد يحيى جودة "طبيب عيون الغلابة"

نشر بتاريخ: 2024/09/26 (آخر تحديث: 2024/09/26 الساعة: 00:15)

 خاص : كتب مروان جودة

يوم السابع من أكتوبر.. استيقظ أهالي المنطقة على صوت صواريخ يدوي في سماء قطاع غزة، وسط غياب معلومة مؤكدة عن الحدث وقلق ممزوج برغبة في أن تحمل تلك الأصوات نبأ سارا لأكثر من 2 مليون مواطن غزاوي.. في لحظتها دقت أجراس الباب ليدخل رجلا يبلغ من العمر 50 عاما، متوسط الطول قمحي اللون ليزف خبر اقتحام المقاومة للمستوطنات المحاذية لقطاع غزة، وعيناها التي تسكنها الطيبة والحنان باتت ترافقهما فرحة النصر. 

هو الدكتور يحيى عبد الجواد جودة، طبيب العيون، الذي سخر مهنته لخدمة الفقراء والمحتاجين فلم يبخل يوما عن علاج مريض غير قادر ماديا، دفعه شعوره بالخوف على أفراد عائلته إلى الذهاب لمنازلهم من أجل دعوتهم للقدوم إلى منزله، قائلا، " تعالوا معايا نقضي الحرب مع بعض عندي أمان".

منذ أكثر من 14 عاما وهو يبني منزله حجرا على حجر، تارة بتقديم الماء والطعام للعمال وأخرى بالعمل بيداه، وما أن انتهى من بنائه في أغسطس 2023 دون سداد كامل المستحقات لشركة المقاولات حيث لم يهتم بجني المال قدر ما اهتم بعلاج المرضى.

بعد انتهاء البناء وجد يحيى أن هناك شيء ناقصا، شيء ظل يبحث عنه طوال حياته وكان يتمنى أن يسود جميع أنحاء الوطن، هو الجمال وأشجار الزيتون، فقرر زراعة الحديقة المحيطة بمنزله بنفسه شجرة تلو الأخرى ليحقق بيداه ما تمناه.

وفي 31 أكتوبر عام 2023، شن أعداء الجمال والإنسانية هجوما بطائراتهم الحربية على منزل الطبيب الحالم بحياة هادئة لا يسكنها وجع لمريض أو صوت لآلة حرب، لتهدم المنزل بصواريخها فوق رؤوس يحيى وعائلته.

عندما وصل الدفاع المدني إلى مكان القصف وشرعوا في إزالة الركام بمساعدة محبيه وانتشال جثامين الشهداء وجدوا يحيى يستقبلهم بابتسامته المعهودة الهادئة على بعد أمتار قليلة من زوجته، وقد تناثرت أشلاء أبنائهم الأربعة فوقهم بعد نجاة نجله الخامس.

انتقل يحيى وعائلته إلى موطن الجمال في جنة الخلد حيث توجد الزهور التي أحبها ولا يسكنها مرض أو صوت آلة حرب معلنا انتصار حلمه على دولة الإبادة الجماعية، فله الخلود ولها الفناء.