ياسر عرفات.. محطات تاريخية وذاكرة خالدة

خاص - عبدالله أبو شمالة - راديو الشباب
يعد الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات أبو عمار من أهم شخصيات الصراع العربي الإسرائيلي المحورية التي ارتبط اسمها بالقضية الفلسطينية طوال العقود الماضية، والذي استطاع أن يرسم معالم القرار الوطني الفلسطيني المستقل.
وأسس الثورة الفلسطينية المعاصرة، وجعل القضية حاضرة في كافة المحافل الدولية والإقليمية، كما رسم بخيوط كوفيّته معالم خارطة فلسطين، التي أصبحت القضية الفلسطينية لا تُعرف إلا من خلالها والتي تحولت إلى أيقونة المقاومة الفلسطينية.
المولد والنشأة
هو محمد عبد الرؤوف داوود سليمان عرفات القدوة الحسيني الذي اشتهر فيما بعد باسم ياسر عرفات أو أبو عمار، وولد في القاهرة في 4 أغسطس 1929، وهو الابن السادس لأب كان يعمل في التجارة، وهاجر إلى القاهرة عام 1927 وعاش في حي السكاكيني.
توفيت والدته وهو في الرابعة من عمره وأرسله والده إلى القدس، وهناك بدأ وعيه يتفتح على أحداث ثورة 1936، ثم تزوج ياسر عرفات في سن متأخرة من السيدة سهى الطويل، وأنجب منها بنتا واحدة.
الدراسة والتكوين
في عام 1937 عاد مرة أخرى إلى القاهرة ليعيش مع عائلته، ثم التحق بكلية الهندسة في جامعة الملك فؤاد (القاهرة حاليا) حيث تخصص في دراسة الهندسة المدنية وتخرج فيها عام 1951، وعمل بعدها في إحدى الشركات المصرية.
وخلال فترة دراسته كوّن رابطة الخريجين الفلسطينيين التي كانت محط اهتمام كبير من قبل وسائل الإعلام المصرية آنذاك، واشترك إلى جانب الجيش المصري في صد العدوان الثلاثي عام 1956.
الوظائف والمسؤوليات
انتخب المجلس الوطني الفلسطيني عام 1969 ياسر عرفات رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية (تأسست عام 1964) خلفا ليحيى حمودة، وبدأ مرحلة جديدة في حياته منذ ذلك الحين.
التوجه الفكري
ينتمي ياسر عرفات إلى جيل القوميين العرب الذي ظهر في الخمسينيات ولعب أدوارا مهمة في الستينيات والسبعينيات.
وقد بدأ حياته في خنادق المقاومة للاحتلال الإسرائيلي ثم غير خطه الفكري بعد أن آمن بفكرة المفاوضات والتوصل إلى الحق الفلسطيني عبر الحوار من خلال عملية السلام، فأسفرت فترة التسعينيات عن اتفاقية أوسلو وإنشاء سلطة فلسطينية في بعض مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة.
وأسس عرفات السلطة الفلسطينية وأحتضن الشعب الفلسطيني، وعندما اعترض الاتحاد الأوربي على مضاعفة أعداد الموظفين خلافاً لما ورد في تفاهمات أوسلو، قال أبو عمار "قسموا راتب الجندي ليكفي أُسرتين فلسطينيتين".
وتغّنى بالمخيمات واصفًا إياها بالجبال التي لا تهزها الريح، وعظّم الشهداء، وقبّل أقدام الجرحى، وانحاز إلى قضية الأسرى بشكل كبير.
وفي سبتمبر/أيلول 2000 اندلعت انتفاضة الأقصى على إثر زيارة أرييل شارون للمسجد الأقصى وحالة اليأس والإحباط التي عمت الشارع الفلسطيني من المفاوضات التي لم تحقق له حلم الدولة الفلسطينية واستعادة الأراضي المحتلة وعودة اللاجئين.
وبدا ياسر عرفات في أوائل عام 2002 مساندا للانتفاضة رغم تصريحاته المتكررة بإدانة العمليات التي تستهدف المدنيين من كلا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
التجربة السياسية
سافر ياسر عرفات إلى الكويت عام 1958 للعمل مهندساً، وهناك كوَّن هو وصديقه خليل الوزير (أبو جهاد) عام 1965 خلية ثورية أطلق عليها اسم "فتح" -وهو اختصار معكوس لـ"حركة تحرير فلسطين"- وأصدر مجلة تعبر عن هموم القضية الفلسطينية أطلق عليها اسم "فلسطيننا"، وحاول منذ ذلك الوقت إكساب هذه الحركة صفة شرعية فاتصل بالقيادات العربية للاعتراف بها ودعمها، ونجح بالفعل في ذلك فأسس أول مكتب للحركة في الجزائر عام 1965 مارس عبره نشاطا دبلوماسيا.
برز اسم الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بقوة عام 1967 حينما قاد بعض العمليات الفدائية ضد إسرائيل عقب عدوان 1967 انطلاقاً من الأراضي الأردنية، وفي العام التالي اعترف به الرئيس المصري جمال عبد الناصر ممثلا للشعب الفلسطيني.
ووقعت اشتباكات بين قوات المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني عام 1970 أسفرت عن سقوط ضحايا كثر من كلا الجانبين فيما عرف بأحداث "أيلول الأسود". وبعد وساطات عربية قررت المقاومة الفلسطينية في العام التالي برئاسة ياسر عرفات الخروج من الأردن لتحط الرحال مؤقتا في الأراضي اللبنانية.
كما ألقى الزعيم الفلسطيني خطابا تاريخيا مهما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1974، أكد فيه أن القضية الفلسطينية تدخل ضمن القضايا العادلة للشعوب التي تعاني من الاستعمار والاضطهاد.
واتخذ المجلس الوطني الفلسطيني في نوفمبر/تشرين الثاني 1988 قراراً بقيام الدولة الفلسطينية على التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف استناداً إلى الحقوق التاريخية والجغرافية لفلسطين، وأعلن كذلك في العاصمة الجزائرية عن تشكيل حكومة مؤقتة.
وبعد رحيل الختيار تفرق شملنا وذهبت ريحنا وضاعت القضية بعد أن اهتزت مكانة حركة فتح، واستأسد علينا الاحتلال الذي نهب أرضنا ودنس مقدساتنا وعزز استيطانه في أوسطانا، كما فرض علينا قوانينه العنصرية الجائرة.
وابتعدنا عن حاضنتنا العربية وأصبحت قضيتنا تَلقَى رواجا في أسواق الاستثمار والاستعمار والبزنس السياسي الإقليمي بواسطة سماسرة القضية، بعد رحيل الياسر أبو عمار.
واليوم بعد 16 عاما على الرحيل، يظل أبو عمار حاضرا في وجدان أبناء شعبه، حاضرا بظله الكبير، وحضوره الطاغي، ومشروعه الوطني الذي أراده طريقا لأحلام الفلسطينيين في التحرر والاستقلال والدولة وعاصمتها القدس الشريف.
الجوائز
في عام 1994 حصل ياسر عرفات على جائزة نوبل للسلام بالاشتراك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين ووزير خارجيته شمعون بيريز.
الوفاة
توفي ياسر عرفات في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004 في مستشفى بيرسي بفرنسا حيث يعالج، بعد دخوله في غيبوبة عميقة وتعرضه لنزيف داخلي عطل جزءا من الدماغ.
وظهرت على الفور تحليلات الشارع الفلسطيني بتعرض عرفات لمؤامرة، ويشير كثير من الفلسطينيين بأصابع الاتهام إلى إسرائيل التي حاصرت عرفات في مقره في رام الله بالضفة الغربية خلال آخر عامين ونصف من حياته، بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، ونفت إسرائيل ضلوعها في أي مؤامرة ودعت القيادة الفلسطينية لإعلان كل سجلاته الطبية التي لم تعلن قط بعد وفاته.
وفي عام 2012، تم الكشف عن وجود مستويات عالية من مادة البولونيوم المشع والسام في مقتنيات شخصية له استعملها قبل فترة وجيزة من وفاته، بعد فحوصات أجراها مختبر سويسري مرموق، ليبدأ تحقيق رسمي في الموضوع بدأ باستخراج عينات من رفاته في أواخر 2012.
وسبق أن تقدمت سهى عرفات "أرملة الراحل" بشكوى ضد مجهول، لكن الخبراء المكلفين من قبل القضاة الفرنسيين استبعدوا مرتين فرضية الاغتيال.
ولا تزال ظروف استشهاد عرفات غامضة حتى يومنا هذا، والتحقيق الذي تجريه لجنة تحقيق وطنية مكلفة بهذا الشأن لا زال جاريا.
لقد رحل الشهيد القائد ياسر عرفات قبل 16 سنة بجسده، لكنه ترك إرثا نضاليا ومنجزات وطنية ما زالت قائمة تقتدي منها الأجيال لمواصلة الكفاح من أجل التحرير وبناء أسس الدولة الفلسطينية، فأبو عمار لم يكن مجرد مقاتل يحمل بندقية، وإنما كان زعيما ملهما، أسس الدولة الفلسطينية العتيدة، بدءا بدوائر منظمة التحرير التي عنيت بمختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية للشعب الفلسطيني، وانتهاء بتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية في الرابع من أيار 1994 على أرض الوطن بعد رحلة طويلة من النضال والكفاح المرير.
واليوم ذكرى الرحيل، يظل أبو عمار، حاضرا في وجدان أبناء شعبه، حاضرا بظله الكبير، وحضوره الطاغي، ومشروعه الوطني الذي أراده طريقا لأحلام الفلسطينيين في التحرر والاستقلال والدولة وعاصمتها القدس الشريف.
أشهر أقوال ياسر عرفات
ليس المهم الكرامة الشخصية، بل المهم كرامة الوطن وقضيته.
إنه أمر مريح بالنسبة لبعض الناس إلقاء الاتهامات على إسرائيل.
السلام بالنسبة يعني تدمير إسرائيل، نحن نستعد لحرب شاملة، وهي الحرب التي سوف تستمر لأجيال.
فلسطين هي الإسمنت الذي يجمع العالم العربي، أو هو المتفجر الذي يمزقه إربًا.
لقد جئت حاملًا غصن الزيتون في يد، وبندقية المقاتل من أجل الحرية في الأخرى، لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي.
حقائق موجزة عن ياسر عرفات
أصدر عرفات وخليل الوزير صحيفة شهرية اسمها "فلسطيننا – نداء الحياة" عام 1959.
حصل عرفات على جائزة نوبل للسلام عام 1994 بعد توقيعه اتفاق القاهرة مع رئيش الوزراء الإسرائيلي.
تقول أرملته سهى عرفات إن الرئيس الراحل كان يستمتع بمشاهدة "توم آند جيري".
تقول أرملته أيضا، لم يحب عرفات الاستماع إلى أغاني أم كلثوم ولا الموسيقى بشكل عام.
كان يعامل الفلسطينيين معاملة أبوية، ورفض الزواج في شبابه كي لا ينشغل عن القضية الفلسطينية، ولقبه الفلسطينيون بعد أن كبُر في السن بالختيار.
كانت حياته ملؤها السفر والانتقال من بلدٍ إلى آخر لدعم القضية الفلسطينية، ودائمًا كان يحافظ على سرية تحركاته، حتى زواجه من سها طويل، وهي فلسطينية، بقي سريًا لمدة خمسة عشر شهرًا.